محمد أمين المصري يكتب : العدالة الأمريكية الغائبة!
ليس مستغربا أن يؤكد الرئيس الأمريكي جو بايدن “أن التزامه تجاه إسرائيل لا يتزعزع”. الرئيس الأمريكي لم يكتف بذلك بل زاد الطين بلة بالنسبة لنا كعرب وقال “أمن إسرائيل مهم للغاية”.
المثير للدهشة هو مناسبة تصريحات بايدن الذي انتهز فرصة التوقيع على حزمة مساعدات عسكرية ضخمة لإسرائيل وأوكرانيا لقول كلامه سالف الذكر، ليشير إلى ما أسماه “إعادة إرساء الأمن الإقليمي والردع”، في حين أن واقع الحال بالمنطقة يؤكد أن تلك المساعدات ستزيد أزماتها ومآسيها.
الرئيس الأمريكي كان مستفزا جدا وهو يتحدث عن مساعدات بلاده لإسرائيل وأوكرانيا، حيث كرر تعبير “الدكتاتوريات” أكثر من مرة في تصريحاته، في حين أن الحدث لا يرتبط بأنظمة دكتاتورية.
لم يكن نصيب قطاع غزة من الولايات المتحدة الأمريكية سوى مليار دولار قيمة مساعدات غذائية وطبية، ويبدو أن بايدن ذكر غزة وكأنه يقدم لها مساعدات جادة، في حين أن الخدمة الوحيدة التي يطلبها سكان غزة هي وقف الحرب الإسرائيلية التي تشعلها إدارة الرئيس الأمريكي بمساعدات بلاده الضخمة لإسرائيل، ولذلك لا معنى لكلمات بايدن: ” المساعدات الإنسانية نرسلها إلى سكان غزة الأبرياء الذين يعانون بشدة”. ولم ينس بايدن وهو يتحدث عن غزة أن يتهم حماس ببدء الحرب التي لا تريد إسرائيل إنهائها وتعمل على تأجيجها بلا توقف، مستفيدة بذلك من الأسلحة الأمريكية.
وقال بايدن ” القانون يقدم دعما حيويا لشركاء أمريكا حتى يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم من التهديدات التي تتعرض لها سيادتهم”. وواقع الحال الذي لم يدركه بايدن يؤكد أن سيادة الدولة العبرية لا تتعرض لتهديدات إقليمية كما يتوهم الرئيس الأمريكي، فإسرائيل دائما هي المعتدية على جيرانها وحدودهم.
وتوضح لنا تفاصيل المساعدات الأمريكية لإسرائيل، مدى اعتماد الدولة العبرية على الدعم الأمريكي اللا محدود، في وقت لا يتحدث فيه الأمريكيون عن احتياج قطاع غزة لعشرات المليارات من الدولارات لإعادة تأهيله وتعميره، ولكن الفلسطينيين لن يرون دولارا واحدا من واشنطن، ويكفي القول أن الدفاعات الإسرائيلية تعتمد بالكامل على الدعم الأمريكي، وكمثال على ذلك، فنظام الدفاع الصاروخي “القبة الحديدية” و”مقلاع داود” حصلا على 4 مليارات دولار، و1.2 مليار دولار إلى نظام الدفاع “الشعاع الحديدي” الذي يتصدى للصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون، و4.4 مليار دولار لتجديد المواد والخدمات الدفاعية المقدمة لإسرائيل، و3.5 مليار دولار لشراء أسلحة متقدمة وعناصر أخرى ضمن برنامج التمويل العسكري الأجنبي. ونحو 9 مليارات دولار كمساعدات إنسانية بما في ذلك الغذاء في حالات الطوارئ والمأوى والخدمات الأساسية.
وكما بدأنا باستغراب من تصريحات بايدن ومساعداته الضخمة لإسرائيل التي ستزيد نظامها العسكري بطشا، خرج علينا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو بتصريح مثير للدهشة أيضا عندما وصف مظاهرات الجامعات الأمريكية بأنها “مروعة”. نيتانياهو الذي يزعم هو وبلاده أن النظام هناك ديمقراطيا، طالب الإدارة الأمريكية بالتصدي لاحتجاجات مؤيدة للفلسطينيين انتشرت في الجامعات الأمريكية في الأسابيع القليلة الماضية.
وقال نيتانياهو في كلمة مسجلة: “ما يحدث في جامعات أمريكية مروع”، واتهم “غوغاء معادين للسامية” بالسيطرة على الجامعات البارزة.
وزاد غاضبا “أن هذا غير معقول. ويتعين وقفه وإدانته على نحو لا لبس فيه.. رد فعل عدد من رؤساء الجامعات كان مخزيا.. يتعين بذل المزيد”.
لم يتوقع رئيس الوزراء الإسرائيلي أن تنتفض الجامعات الأمريكية ضد فاشيته وحربه الغاشمة ضد الفلسطينيين.
علما بأن الاحتجاجات في مقار جامعات أمريكية تتزايد ضد تصرفات القوات الإسرائيلية في غزة مع دخول حرب غزة شهرها السابع.
ودعا محتجون مؤيدون للفلسطينيين إلى وقف إطلاق النار وسحب استثمارات جامعاتهم من شركات لها علاقات بإسرائيل.
ولم يبد نيتانياهو ارتياحا لاحتجاجات الأطقم الأكاديمية وطلاب الجامعات الأمريكية الذين أعربوا عن استيائهم من مقتل أكثر من 34 ألف فلسطيني في هجوم إسرائيل المستمر على قطاع غزة المحاصر، مع مخاوف من وجود آلاف الجثث مطمورة تحت الأنقاض، وأدى الهجوم الإسرائيلي إلى تدمير جزء كبير من القطاع ونزوح معظم سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة والتسبب في أزمة إنسانية.
إجمالا..بايدن سعيد بما قدمته بلاده من مساعدات عسكرية لإسرائيل لكي تقتل بها الشعب الفلسطيني، ونيتانياهو لم يفرح بالهدية الأمريكية ولم يتحدث عنها باعتبارها واجبا أمريكيا مفروضا على الشعب الأمريكي لمساعدة تل أبيب، ومقابل تجاهل نيتانياهو تقديم الشكر لبايدن والكونجرس الأمريكي يطالبهم بقمع احتجاجات طلاب الجامعات، وكأن أمريكا كلها مؤيدة لتصرفات الدولة العبرية.
بايدن يقدم السلاح لإسرائيل الذي تقتل به الفلسطينيين، ثم يزعم الأمريكيون أنهم يتعاطفون مع مأساث الشعب الفلسطيني.. أي تناقض هذا.. وأين العدالة الأمريكية؟.