محمد أمين المصري يكتب : الإخوان والحشاشين..حكايات عن الشياطين
كتبت الأسبوع الماضي عن معضلة الإسلام السياسي، وهو ما يثير خلافات بين المدافعين عنه ومعارضيه، خاصة ونحن نعيش في وقت ترى فيه الجماعات الإسلامية أن الإسلام السياسي هو السبيل لإنقاذ العالم الإسلامي من ويلاته، ولكن خصومهم يخالفونهم هذا الرأي ويرون أن النهوض بالمسلمين ليس بالرجوع إلى الماضي والتعلق بالتراث كما يريد أصحاب فكرة الإسلام السياسي وإنما تكون بالأخذ بالأسباب الاقتصادية والسياسية والتقنية التي تمسك بها الغرب واعتبرها وسائله نحو التقدم.
وختمت المقال بالجدل الدائر حاليا بين أنصار جماعة “الإخوان المسلمين” وأشياعها وبين المدافعين عن مسلسل الحشاشين المذاع على القنوات المصرية والعربية، وركزت فكرتي في أنه بغض النظر عما أثاره المسلسل من جدل، فالمؤكد أن البشرية تعاني من قديم الأزل من سطوة السلطة وصراعاتها، وللأسف يكتب التاريخ حكايات أشخاص محدودة الأفق، فصنعوا تاريخا كتبت سطوره بدماء الأبرياء..ومازالت آثار هذه الحقبة من أحقاد تفرض قواعدها حتى اليوم ، بقصص وهمية وبمزيد من دماء الأبرياء والبشر الذين لا ناقة لهم ولا جمل في أسباب ما حدث وما يحدث.
قالوا قديما إن الوحشية هي غريزة الحيوانات ، ولكن المؤكد أن السلطة هي غريزة البشر ، كلاهما الحيوان والبشر مآله التراب.
وإذا كان علينا كتابة تاريخ جديد للبشرية ننشر فيه قصصا عن أمجاد الشعوب وروايات عن أبطال حقيقيين اسهموا في تقدم الحضارة وليس تأخرها، نجد من يكتب عن أشخاص فجروا مناطقهم بدماء وقتل وتشريد.
لا نضيف جديدا إذا قلنا أن “الإخوان” ينهارون وهم في الدرك الأسفل، ولم يعودوا إلى ما كانوا عليه عام ٢٠١٣ في مصر، ونهايتهم كانت الخاتمة لهم ولن يقبلهم المصريون مرة أخرى ولن ينخدعوا بأحاديثهم مجددا، والمؤكد أن غضبهم من فكرة المسلسل يعود إلى واقع الحال الدموي الذي يربط بين الطرفين، فالتشابهات واضحة بين المنهج الفكري لجماعة “الإخوان” وطائفة الحشاشين، أخطر الحركات السرية خلال القرن الحادي عشر. ففكرة شرعنة القتل باسم الدين أخطر الأفكار التي تتفق عليها الجماعات المتطرفة بشكل عام، في مقدمتها ” الإخوان” التي وضعت أطرا شرعية للعنف تحت غطاء شعارات دينية زائفة، تتشابه حد التطابق مع منهج حسن بن الصباح زعيم طائفة الحشاشين الدموية. هذا الطائفة التي أرهبت العالم وقتها (أوروبا والشرق) في القرون الوسطى، ودخلوا في عداء مع المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وقتلوا رموزهم باغتيالات كانت الأدق والأكثر ذكاء في التاريخ.
ولماذا يغضب “الإخوان”، أليس من أساليبهم التستر وراء الدين لنيل أغراضهم، وهم الذين توسعوا في العالم ودعوا لإباحة استخدام القوة والسلاح والقتل إن لزم الأمر في سبيل الوصول إلى السلطة، متخذين من العمل السري وخلايا التنظيم والتخفي دخل الجماعات مبدأ عمل لهم، وهو نفس منطق “الحشاشين”، وارتبطت الجماعتين “الحشاشين والإخوان) بتبني فكرة العمل المسلح ضد الحكام والمؤسسات، كما عملا على تحقيق مفهوم الخلافة القائم على هدم الأوطان وتلاشي الحدود، والسمع والطاعة حيث تأكدنا من أن قيادات الإخوان يديرون الجماعة بشكل مركزي ويلزمون العناصر بالقرارات الفوقية، كما تتفق الجماعتان في تبني منطق ” التقية” للتخفي و تغطية أنشطتهم السرية، ثم نأتي لعامل مشترك مهم وهو إقناع الناس بأن القتل وإراقة الدماء هو أحد مقاصد الدين وأنه أمر شرعي، ليس هذا فحسب لكنه محبب إلى الله.
والتساؤل: أين الدين والإسلام مما سبق؟..أين الدعوة إلى الإسلام بالحسنى؟..ولماذا القتل والعمل السري؟..أليس الإسلام دينا قائما ونحن مسلمون؟..لماذا اتخذوا الوطن عدوا؟.
ليس جديدا أن نقول إن الإخوان كذبوا في بداية تأسيسهم، فلم يعلنوا الهدف الأساسي من دعوتهم وأفكارهم، وزعموا آنذك أن الحركة اجتماعية ودعوية فقط لا غير، في حين انقلب الحال إلى القتل والعنف والاغتيال لتكون في نهاية الأمر جماعة إرهابية.
نعم..تبني مؤسس الجماعة حسن البنا نفس أساليب حسن بن الصباح وتأثر بأفكاره وبالتنظيمات المسلحة والعمل السري، وظل العنف هو الإطار الشرعي داخل الإخوان من خلال كتابات و تعاليم حسن البنا وسيد قطب، فالعمل المسلح هو الخيار الأمثل
لتحقيق أهدافها.
المؤكد أن ذكر جماعة الحشاشين يستدعي للذهن مباشرة قصة طائفة أرعبت العالم وقتذاك، مسلميه ومسيحييه، والمؤكد أيضا أن جماعة الإخوان لا تقل عنفا وقتلا عن الحشاشين، فالمنبع واحد، وكلاهما استغل الدين واستند إلى قواعد دينية وتعتبران نفسيهما مجموعات إسلامية. اما الهدف السياسي هو السيطرة على مقدرات الدولة، فالهدف السياسي لجماعة الإخوان المسلمين كان تحقيق الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية في كافة جوانب الحياة العامة. وكانت جماعة الحشاشين تهدف إلى تأسيس دولة نزارية في إيران في العصور الوسطى.
وتنظيميا، اتبعت الجماعتان التنظيم الهرمي في تأسيس هياكلها الداخلية، فقد شكل كلاهما تنظيما شبكيا يتمثل في القيادة العليا والمرشدين والفروع المحلية. ولكن ربما اختلفت الجماعتان في الوسيلة الاجتماعية التى رأينا عليها الإخوان الذين التزموا بالعمل الاجتماعي المبني على تقديم المساعدة الاجتماعية والخدمات الاجتماعية للفقراء والمحتاجين، للايعاز بأنهم جماعة إسلامية عادلة وتعرف الحقوق الإسلامية وتطبيقها على أتباعها.
لم يكن برأيي الجدل صائبا على فكرة المسلسل وما أثاره من غضب طائفة هنا أو هناك، ولكن للأسف شاهدنا جدلا حول عمل درامي يجسد شخصيات سادية، شريرة، دموية، في حين أن التاريخ الإسلامي مليء بقصص رائعة كان حريا بالدراما أن تنهل منها و تبثها للأجيال الجديدة، فنحن في غنى عن سرد حكايات عن شياطين طالما وُجد الملائكة.