مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب : مسيرة التعليم فى مصر 1 / 3

0:00

حدد البرلمان المصرى الأول فى تاريخ مصر هدف التعليم الإبتدائى ، بأنه تثقيف للشعب وأنه واجب وطنى لا تختص الحكومة وحدها بتوجيهة وتحمل أعبائه ، وفى الخامس من نوفمبر 1869م أصدر البرلمان أول قانون للتعليم فى مصر ولائحة البرنامج العلمى للنهوض بالتعليم .
رحلة مصر مع التعليم طويلة ، بدأت منذ زمن بعيد من خلال الكتاتيب “الكتاب” المنتشرة فى القرى والبلدان المصرية ثم من خلال الأزهر الشريف والمدارس المرفقة بالجوامع والمساجد على مر العصور ، إلى أن تولى محمد على باشا حكم مصر 1805م فكان حريصا على إنشاء نظام تعليمى حديث متأثرا بالنمط الفرنسى ، بهدف تخريج موظفين للعمل فى دواوين الحكومة.
جاء إهتمام محمد على بالتعليم لإيمانه بأن التعليم هو السبيل الوحيد لرقى وتقدم مصر وشعبها ، وبدأ بنفسه فتعلم على كبر مبادئ اللغة العربية ، كما تعلم القراءة والكتابة بالتركية ، لذلك كان حرصة على إنشاء المدارس لكافة مستويات التعليم ومختلف التخصصات فى القطر المصرى .
رأى من الأفضل أن تكون البداية بإعداد طبقة من المتعلمين تعليما عاليا للعمل فى دواوين الحكومة على أن يقوموا بدورهم بنشر التعليم بين طبقات الشعب وذلك قبل إنشاء المدارس، وكان للأزهر دور مهم فى تلك المرحلة فى إمداد المدارس العليا وأيضا البعثات التعليمية بالطلبة لما لديهم من ثقافة تؤهلهم بإستيعاب الدراسة بها .
ذكر الجبرتى :” أن محمد على رأى فى أولاد مصر نجابة وقابلية للتعليم ” وذلك بعد أن استطاع أحد أبناء دمياط إختراع آلة لضرب الأرز وتبييضه ،وقدم نموذجا مصغرا إلى محمد على فأعجب بها وأنعم عليه بمكافأة مالية وأمره بتركيب مثلها فى دمياط وأخرى فى رشيد ، فكان هذا الإختراع حافزا لفكرة إنشاء مدرسة الهندسة فى القلعة 1816م .
بالطبع استعان محمد على بالأجانب لتعليم الطلبة علوم الرياضيات والهندسة، وكان التعليم مجانا مع صرف رواتب شهرية لهم وكسوتهم و توفير أدوات الهندسة والمساحة والفلك وشراؤها من إنجلترا ، حتى أنه تم شراء الحمير لهم لمساعدتهم عند طلوعهم ونزولهم من القلعة ، فالتحق بالمدرسة 80 طالبا ممن لديهم قابلية للتعليم من شباب المصريين . وبعد عدة سنوات تم إنشاء مدرسة أخرى للمهندسخانة ببولاق 1834م والتى تخرج منها عدد من أفضل المهندسين من أشهرهم عالم الفلك محمود باشا الفلكى .
تلى ذلك إنشاء مدرسة الطب ويرجع الفضل لإنشائها إلى كلوت بك وكان طبيبا للجيش المصرى ، فأنشأ المستشفيات العسكرية ومصلحة الصحة البحرية وأوصى ببناء مستشفى أبى زعبل و أسس بها مدرسة الطب 1827م ، وتم إختيار 100 تلميذ من طلبة الأزهر للإلتحاق بها تحت إدارة كلوت بك مستعينا بمدرسين من فرنسا وأوروبا وتيسيرا على الطلبة لإتقان اللغة تم الإستعانة بمدرسين للترجمة إلى أن أصبح يتم إختيار المترجمين من الطلبة المتفوقين فى اللغة الفرنسية .
الحقت بمدرسة الطب حديقة للنباتات لإستخراج العقاقير الطبية ، وبعد خمس سنوات تخرجت الدفعة الأولى من الأطباء المصريين فى مصر . سافركلوت بك مع 12 من تلاميذه وكلهم مصريين لإمتحانهم فى الجمعية الطبية بباريس وحصلوا على أعلى الشهادات فكانوا نواة لنشر التعاليم الصحية فى مصر .
تم توزيع عدد من الخريجين على المستشفيات ، و تعيين معيدين فى المدرسة وإرسال الباقين إلى باريس لإستكمال دراستهم فى بعثات تعليمية وعند عودتهم لمصرقاموا بالتدريس بمدرسة الطب بدلا من المدرسين الأجانب الذين تولوا الإشراف على الدروس ، وكان يشترط فى الأطباء الأجانب للعمل فى مصر ضرورة تعلمهم اللغة العربية حتى يتمكنوا من التفاهم مع المرضى وتحديد ما يشكون منه .
نقلت مدرسة الطب والمستشفى إلى قصر العينى 1837م وانشئت مدرسة الصيدلة ثم مدرسة قابلات “مولدات” التحق بها فى بادئ الأمر عشر جوارى من السودانيات والحبشيات وعندما استحسن عامة الشعب الفكرة وأصبح تعليم النساء فن التوليد مستحبا وأفضل من الإستعانه بالجاهلات وبالتدريج أرسل البسطاء بناتهم إلى هذه المدرسة وانتشرت فى سائر المحافظات .
بدأت مصر تجنى ثمار البعثات التعليمية ، فأنشأ رفاعة بك الطهطاوى بعد عودته من بعثة فرنسا ، مدرسة الألسن 1836م فكانت بمثابة معهد لنشر الثقافة فى مصر ، تدرس بها آداب اللغة العربية والفرنسية والتركية والفارسية والإيطالية والإنجليزية والتاريخ والجغرافيا والشريعة الإسلامية والشرائع الأجنبيىة ، ثم توالى إنشاء مدارس المعادن والمحاسبة والفنون والصنايع وكانت تسمى مدرسة العمليات ومدرسة الزراعة والطب البيطرى والمدرسة التجهيزية الثانوية بالأزبكية وأخرى بالأسكندرية والعديد من المدارس الإبتدائية فى مختلف الأقاليم .
لم يكتف محمد على بتأسيس المدارس والمعاهد العليا ، ولكنه أرسل العديد من البعثات التعليمية إلى أوروبا ولم تقتصر على تلقى العلوم لكنها شملت تعلم الصناعات والحرف والطباعة حتى صناعة الأحذية وعرف صانعيها بالأسطوات .
وللإستفادة من خبرات طلاب البعثات التعليمية أسس ديوان المدارس برئاسة مصطفى مختار بك أحد خريجى البعثة الأولى فكان هذا الديوان أول وزارة معارف فى مصر حيث قرر تنظيم التعليم بالمدارس ووضع لائحة التعليم الإبتدائى .
كان التعليم فى جميع المدارس بمختلف مراحله مجانا وتتولى الحكومة الإنفاق على التلاميذ من مسكن وغذاء وصرف مرتبات شهرية ، والشئ الغريب أن الأهالى كانوا يرفضون تعليم أبنائهم ويتهربون مثلما كان الحال مع الجندية ، ولكن كانت الحكومة تدخلهم المدارس بالقوة حتى أقبلوا فى النهاية على تعليم أبنائهم .
فى أعقاب توقيع معاهدة لندن 1841م تدهور الوضع الإقتصادى فأغلقت معظم المدارس الإبتدائية والمتخصصة ولم يتبق سوى القليل منها ، مع استمرار البعثات التعليمية . وأثناء تلك الفترة زاد نشاط الإرساليات التبشيرية والأجنبية ونجحت فى إنشاء مدرستين بريطانيتين فى القاهرة والأسكندرية ، وكان محمد على باشا رافضا بشدة طوال سنوات حكمة إنشاء مدارس أجنبية .
وللحديث بقية

زر الذهاب إلى الأعلى