مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب: مالية مصر .. نظم المعاملات المالية 2/ 2

0:00

.. مع بداية القرن التاسع عشر بدأت تتضح معالم الكيان الإقتصادى لمصر ، وذلك حين تولى محمد على باشا حكم مصر 1805م وخلال سنوات حكمة الأولى وبعد إستقرار الأوضاع الداخلية للبلاد وبدء التفكير فى المشروعات الإصلاحية وفى الوقت نفسه التطلع نحو التوسع الخارجى ، كان لا بد من تدبير الأموال اللازمة لتنفيذ تلك المشروعات والطموحات الخارجية .
نلاحظ أن موارد مصر المالية إعتمدت على ثلاثة مصادر ، نظام الملكية ، إحتكار الحاصلات الزراعية ، الضرائب والرسوم الجمركية . لذلك كان من المهم وضع الأسس لنظم التعامل بدءا من العملة والإرتفاع بقيمتها وتحديد فياتها – أعتقد أن هذا البند مهم جدا بل وأساسى-
حيث تم لأول مرة عدم إجبار تجار البن والبهارات على الشراء بالريال الفرنسى ويتم التعامل بالريال المحلى الذى يتعامل به الناس . كما تم توحيد الموازين والإلتزام بالتمغة كما أوضحنا من قبل ، وإقرار الضريبة العقارية على الأطيان وكذلك النظام الخاص بالرهن الذى كان يفرض على الفلاحين وقيمة الضرائب المقررة على بعض الحرفيين وأصحاب الأطيان والمال
وخلال تلك الفترة تم تشكيل مجلس المشورة وكان من باكورة أعماله إقرار العقوبات بالنسبة للمخالفين والمختلسين سواء كانوا من الموظفين أو الصيارفة وكان أشدها ، عقوبة الإعدام لمن يخدم فى الحكومة وثبت سرقته وإختلاسه فيقتل فورا !!
و لمواكبة النظم الأوربية فى التعاملات التجارية ، ففى 1830م تغيرت الطرق الحسابية وتنظيم الدفاتر بالنسبة لخزينة الجهادية ” الجيش” وإستبداها بالأسلوب الأوروبى المتبع وتلى ذلك إستبدال الأرقام القبطية بأرقام هندية وهى التى نستخدمها الأن .
أما بالنسبة للموارد المالية وتأتى فى مقدمتها نظام الملكية ، كانت الأراضى الزراعية يملكها المماليك وليس المصريون ، فأحدث محمد على تغييرا جذريا فى نظام الملكية وانتزع ملكية الأراضى من المماليك واستولى على أراضى الوقف – وكان أصحابها مماليك أيضا – ولكنها تحت رعية علماء دين فجعلها تحت رقابته وحل هو محل الملتزمين ، فكان الإتصال بينه وبين الفلاحين المزارعين مباشرة ، فتمكن بهذه الطريقة من إمتلاك جميع الأراضى المصرية وإستغلالها لحساب الدولة وذلك لتمكينه من تنفيذ برامج الإصلاح ، مما استدعى وجود نظام واحد للزراعة والتجارة .
وكان المورد الثانى إحتكار الحاصلات الزراعية ، فبعد نزع الأراضى من المماليك تم توزيع الأطيان على الفلاحين لكن بشرط التزامهم بسداد ضرائبها وأمدهم محمد على بالحبوب وألات الحرث والماشية فى مقابل تخصيص جزء من المحصول كضريبة على الأرض والباقى منه يشتريه وتضعه الحكومة فى مخازنها ليصنع فى مصانعها التى بدأت تنشئها أو يباع لتجار أوروبا ، إلا أنه لم يحتكر من الحاصلات سوى القطن والأرز والصمغ لما لها من أهمية فى الصناعة أما معظم الحبوب فتركت للفلاحين يتصرفون فيها ، وظل الحال هكذا إلى أن الغى سعيد باشا احتكار الأراضى والتجارة .
أما المورد المالى الثالت فكان الضرائب حيث استحدث محمد على باشا الضريبة العقارية واختلفت قيمتها حسب نوع الأراضى وجودتها وكانت الحكومة تحصل نصف ايرادتها ، كما تم إقرار الضريبة الشخصية وفيها يتم تحصيل 1/12 من إجمالى الدخل الشخصى والباقى من رسوم الجمارك التى كانت تعطى بالالتزام ، كما فرضت ضرائب متنوعة على الماشية وقوارب النيل والنخيل والحاصلات عند دخولها فى مدن معينة .
كان ملتزم الجمارك فى تلك الفترة باغوص بك و ظل مرافقا لمحمد على 41 عاما ويعتبر ذراعه اليمنى فى جميع علاقاته الخارجية والسياسية والتجارية فكان فى الواقع وزيرا للمالية والإيرادات . عندما كان باغوص ملتزما لإيرادات الأسكندرية كان يدفع لخزينة الحكومة 50 كيسا فى السنة أى ما يعادل 250 جنيها ثم استدعاه محمد على لتجديد عقد العمل ولكن عليه سداد 500 كيس سنويا أى 2500 جنية ولمدة خمس سنوات ، بالطبع انزعج باغوص ولكن كان إغراء الباشا أقوى حيث وعده بأنه إذا لم تحقق الإيرادات هذا المبلغ فإن الباشا ملزم بتعويض الخسارة ، فى الواقع كان محمد على يدرك أن جمرك الأسكندرية سيحقق هذه الزيادة حيث بدأ مشروع ترعة المحمودية مما ترتب عليه تقدم التجارة سواء صادرة أو واردة . والشئ الغريب أن الباشا لم يحدد راتبا شهريا لباغوص بل سمح له بأخذ ما يحتاجه من ايرادات الجمرك بما يضمن حياة كريمة له ولأسرته ، ومع حرص محمد على الشديد على أموال الحكومة لم يلاحظ على باغوص أى تجاوز للحد من مصروفاته فكان يكتفى بما يحتاجه فقط للمعيشة .
.. على الرغم من المشرعات الكبرى والمتعددة التى ميزت تلك الفترة من تاريخ مصر والتى شملت إنشاء الجيوش والأساطيل وبناء المدارس وغيره ، لم تستدن البلاد بل على العكس تحقق فائض فى الميزانية فى 1833م حوالى نصف مليون جنية أنفق نصفها على الجيش والبحرية والمبانى الحربية وتضاعفت الإرادات فى 1838م وبلغت أربعة ملايين ونصف مليون جنية تم منها إنفاق ثلاثة ملايين ونصف مليون جنية .

زر الذهاب إلى الأعلى