مايسة السلكاوى تكتب: ( قامات مصرية) سيد جلال – 5
لا كان باشا ولا بك ولا عالم عظيم ، ولكنه حاصل على ما هو أهم وأقوى ” محبة الناس “، إنه المليونير العاصمى صاحب المصانع والأعمال الخيرية والمواقف الجريئة والوطنية ، وعلى مدى 50 عاما ظل ممثلا للشعب فى البرلمان .
سيد جلال مصرى صعيدى من مواليد قرية بنى عديات بمحافظة أسيوط عام 1901م كان طفلا يتيما ، كفله خاله وأدخله كتاب القرية وفى السابعة من عمره حفظ القرآن ، لم يشأ أن يكون عبئا على خاله وكان له من الأبناء عشرة ، فقرر أن يبدأ حياته فى القاهرة .
نزل سيد جلال عند أقاربه فى بولاق أبو العلا وعمل فى فرن موزعا للخبز ، ثم عمل شيالا فى محطة مصر ثم على عربية كارو بحصان لنقل البضائع ولم يتجاوز عمرة 12 سنة .
سافر إلى بورسعيد وهناك عمل ساعيا فى مكتب للنقل البحرى فىشركة يمتلكها يونانى ، ومن خلال تعاملاته مع العملاء استطاع أن يتقن اليونانية والفرنسية والإيطالية قراءة وكتابة وتحدثا، وتعلم أيضا بعض المعاملات التجارية فى التصدير والإستيراد وكان عمرة 18 سنة . بعد الحرب العالمية الأولى تعلم اللغة الأرمينية بمساعدة رجل يونانى وآخر شامى ، وبعد موافقة صاحب الشركة بدأ فى إدخال نشاط جديد بعد إنتقال المكتب إلى القاهرة .
اكتسب سيد جلال الخبرة التى تؤهله للاعتماد على نفسه فاستأذن صاحب المكتب اليونانى فى أن يستقل بنفسه فى التجارة على أن يورد له المكتب شحنات الدقيق والقمح فوافق الرجل . من هنا بدأ سيد جلال تجارته فى الغلال فى منطقة سوق روض الفرج ، وبدأ يتعامل مع تجار الصعيد ومع الشركات الكبرى فى القاهرة والإسكندرية ، حيث امتلك أكبر شونة فى منطقة الساحل .
ويقول ابنه فى كتابه عن والده :”إنه اكتفى بالمكسب القليل حتى لا يرهق كاهل الفقراء ” .. وكأنه استفاد من مقولة أحمد عبود باشا فكان صديقا له يكن له الإحترام حيث قال عبود باشا ” لا تأنف من القيام بأى عمل شريف مهما كان صغيرا وبإصرارك وبعزيمتك يمكن أن تجعل هذا العمل عظيما ، لا تنتظر الربح السريع فالربح البطئ دليل النجاح ، وعندما تنجح أول الأمر لا تترك أعمالك لمعاونيك وتنصرف ألى حياة الترف والكسل، ولا تجعل الربح يأخذك إلى الإسراف بل احتفظ بروح حب الإدخار ونمها فى أولادك واجعل علاقتك بالعاملين لديك علاقة محبة ممزوجة بالقيادة الحكيمة ” .
عندما أصبح سيد جلال مليونيرا لم يغير من صفاته لإيمانه بأن ضريبة النجاح أن يمنح المجتمع جزءا من فكره وأمواله لذلك وهب الكثير من أمواله للفقراء ، فأنشأ مستشفى خيري بحى باب الشعرية وهى مستشفى سيد جلال المعروفة .
ترشح عضوا بالبرلمان عن دائرة باب الشعرية التى عاش بها لمدة 50 سنة من 1934-1984م وأصبح أكبر النواب سنا وأكثرهم قدرة على تلبية طلبات مرشحيه. كان يشترى الشركات المتعثرة التى يمتلكها الأجانب ويعيد تشغيلها ويدفع الضرائب المتأخرة حتى لا يفقد العمال وظائفهم . كما كان يشترى الشركات التى تحتكر السلع ويوسع نشاطها ويزيد من إنتاجيتها حتى يكسر احتكار التجار للأسواق .
كان أول من قررصرف أرباح للعمال قبل صدورالقوانين التى تحتم ذلك فى الستينات ، عندما احترق أحد مصانعه بالكامل بشبرا الخيمة بشره مدير أعماله بأن الحريق سيمنع تأميم شركته ، لكنه كتب خطابا للصحفى الكبير مصطفى أمين طالبا منه أن ينشر فى الصحف أن الحاج سيد جلال سيعيد بناء المصنع على نفقته الخاصة حتى لا يضار العاملون من توقف العمل ولا يهم بعد ذلك أن يؤمم المصنع ! وكان المقال تحت عنوان ” أعمال سيد جلال لا تحرقها النار ” .
أسهم سيد جلال بمبالغ سنوية ثابته للمجهود الحربى للقوات المسلحة بعد حرب 1967م ، خلال الحرب العالمية الثانية اشترى أرض بور واستصلحها وزرعها بالفواكه لإيمانه بأن استصلاح الأراضى يزيد من الإنتاج الزراعى ، وكان حريصا على بيع منتجاته بالأحياء الشعبية بأسعار معتدلة ، وأقام مشروعا لدعم غذاء الفقراء بحيث تقوم الحكومة بشراء السلع بأسعار السوق وتبيعها للناس بسعر أقل على أن يتكفل الأغنياء بدفع فارق السعر فى صورة تبرعات .
قال عنه كاتب أمريكى : هذا الرجل مثال لنموذج الإنسان المصرى عندما يعمل لمصلحة بلده لأن امبراطوريته الماليه أشبه بشبكة واسعة تمتد إلى الفقراء والمصريون ينظرون إليه على أنه إنسان الخير الذى يقف بجانبهم .
من أهم أعماله التى تحسب له ، إلغاء البغاء فكان ممارسة البغاء أمرا مشروعا فى مصر بعد الحرب العالمية الأولى ، فسعى سيد جلال جاهدا لإلغائها وخاض من أجل ذلك معارك عنيفة مع نواب البرلمان لمدة ست سنوات إلى أن نجح فى استصدار تشريع يجرم مهنة البغاء فى مصر عام 1947م بعد أن لجأ إلى حيلة ، حيث دعا وزير الشئون الإجتماعية وكان جلال فهيم باشا لإفتتاح أحد مشروعاته الخيرية فى باب الشعرية ثم توجه معه إلى شارع كلوت بك أشهر الشوارع المشهورة بمهنة البغاء وكان مصرحا بها من قبل الحكومة ، وبمجرد دخول الوزير لهذا الشارع التفت حوله الفتيات وبدأن فى جذبه حتى تمزقت ملابسه وتمت سرقته .. بعد هذه الواقعة بأيام قليلة أصدرت الحكومة قرارا بمنع مهنة البغاء فى مصر .
فى ملف سيد جلال واقعة مهمة ، فقد القى القبض عليه فى فبراير 1966م ووضع فى زنزانة بالسجن الحربى وظل مسجونا بدونسؤال أواستجواب لمدة 14 يوما ، وذلك لأنه قدم سؤالا فى مجلس الأمة : لماذا لم يدفع أحد كبار الوزراء ثمن الأثاث الذى اشتراه لمنزله من محلات “بونتريمولى” التابعة للقطاع العام ؟ وكان الوزيرالمقصود أحد كبار مراكز القوى !!!