مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب : (قامات مصرية) أحمد لطفى السيد -3

مفكر وفيلسوف ومربى وكاتب وسياسى ، من قادة التنوير والتثقيف فى مصر خلال القرن العشرين ، لقب ب” أستاذ الجيل” و “أبو الليبرالية المصرية” صاحب المقولة المشهورة ( الإختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية ) .
دعا للقومية المصرية كأساس لإنتماء المصريين ، مهاجما الجامعة الإسلامية التى كان يدعو لها السلطان العثمانى عبد الحميد ، رافضا ربط المصريين سياسيا بالعالم العربى أو تركيا أو العالم الإسلامى ، ويقول فى ذلك ” إن مصريتنا تقضى أن يكون وطننا هو قبلتنا وأن نكرم أنفسنا ونكرم وطننا ، فلا ننتسب لوطن غيره ” .
كان أحمد لطفى السيد ضمن الوفد المصرى برئاسة سعد باشا زغلول حين سافروا إلى فرنسا لعرض مطالب مصر على مؤتمرالسلام فرساى . قال عنه الدكتور طه حسين : لست أعرف له نظيرا فى الكتابة ولا فى التفكير ولا فى الترجمة ، وأزعم أن ليس بين المصريين وغير المصريين من يستطيع أن يجد له نظيرا فى هذه الوجوه الثلاثة ، وليشهد التاريخ بأن مصر مدينة بالشئ الكثير جدا للأستاذ لطفى السيد فى نهضتها العقلية والسياسية والإجتماعية ، وحين أسمع الإستقلال التام والحرية الدستورية وسلطة الأمة وأشياء كثيرة أبتسم ابتساما فى حزن وأمل لأن هذه الألفاظ وهذه المعانى هى ألفاظ ومعانى لطفى السيد ليس فى ذلك نزاع ولا جدال . أما الأديب الكبير عباس العقاد فوصفه بأنه أفلاطون الأدب العربى .
ولد أحمد لطفى السيد 1872م فى قرية برقية مركز السنبلاوين دقهلية ، من أسرة على جانب من الثراء فكان والده عمدة القرية ومن أعيانها ، وبعد أن تعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن بكتاب القرية التحق بالمدرسة الإبتدائية بالمنصورة ثم بالمدرسة الخديوية بالقاهرة ثم التحق بمدرسة الحقوق 1889م ، أثناء دراسته تعرف بالشيخ محمد عبده الذى شجعه على الحرية وإحترام الحقوق وقدرته على الكتابة والإنشاء ، مما شجعه على إنشاء “مجلة التشريع” مع مجموعة من نابغى الحقوق ، وأثناء زيارته لاسطنبول 1893م التقى بجمال الدين الأفغانى وتأثربأفكاره . بعد حصوله على ليسانس الحقوق 1894م عمل بالنيابة ، فعين نائبا للأحكام بالفيوم ، سافربعد ذلك إلى جنيف لدراسة الأدب والفلسفة ، ثم عاد للعمل بالقضاء إلى أن ترك العمل بالحكومة 1905م وعمل بالمحاماة ثم تركها ليتفرغ للسياسة والصحافة .
بدأ لطفى السيد مشواره السياسى والصحفى بمشاركة بعض المثقفين الوطنيين والأعيان ، بتأسيس حزب الأمة 1907م للوقوف أمام التيار الداعى إلى التقرب لتركيا ، ومن هؤلاء المؤسسين حسن عبد الرازق وحمد الباسل وسليمان أباظة وعلى شعراوى وقاسم أمين وعبد الخالق ثروت وسعد زغلول وكلهم قامات مصرية أثرت فى الفكر والوعى المصرى خلال تلك الفترة المهمة من تاريخنا لمواجهة الإحتلال البريطانى من جهة والهيمنة التركية من جهة أخرى . وهؤلاء أيضا كانوا وراء حملة التبرعات لإنشاء أول جامعة أهلية بمصر 1908م والتى تحولت 1928م إلى جامعة فؤاد الأول ثم جامعة القاهرة . ولمدة سبع سنوات ترأس لطفى السيد صحيفته ” الجريدة ” وكانت سياستها تقوم على الدعوة لفكرة ” مصر للمصريين ” ومهاجمة الجامعة الإسلامية التى كان يدعو لها السلطان عبد الحميد الثانى ، قائلا : نريد الوطن المصرى والإحتفاظ به ، والغيرة عليه كغيرة التركى على وطنه والإنجليزى على قوميته ، لا نجعل أنفسنا وبلادنا على المشاع وسط ما يسمى بالجامعة الإسلامية .
تبنى لطفى السيد المفهوم الليبرالى للحرية فى أوروبا خلال القرن التاسع عشر مناديا بتمتع الفرد بقدر كبير من الحرية وبغياب رقابة الدولة على المجتمع ، ومشددا على ضرورة أن يكون الحكم قائما على أساس التعاقد الحر بين الناس والحكام ، ونادى بتحديد مفهوم الشخصية المصرية ، رافضا ربط مصر سياسيا بالعالم العربى أو التركى أو العالم الإسلامى ، ويربط بين الجنسية والمنفعة وكان أهم ما طرحة فى هذا الشأن الدعوة إلى القومية المصرية كأساس لإنتماء المصريين ، كما نادى بتعليم المرأة وفى عهد رئاسته لجامعة القاهرة تخرجت أول دفعة من الطالبات 1933م .
عين أحمد لطفى السيد مديرا لدار الكتب المصرية فى الفترة من 1918-1925م وخلال تلك الفترة ترجم بعض أعمال أرسطو ، واشترك مع سعد زغلول وعبد العزيز فهمى وعلى شعراوى وآخرين فى تشكيل حزب الوفد للمطالبة بالإستقلال ، وسافر معهم إلى باريس للمشاركة فى مؤتمر السلام الذى عقد فى فرساى ثم اعتزل السياسة ، بعد الخلاف بين عدلى يكن وسعد زغلول بسبب رئاسة المحادثات مع بريطانيا ، واستمر بدار الكتب إلى أن عين مديرا للجامعة المصرية حتى استقالته 1941م . وخلال رئاسته للجامعة تقدم باستقالته مرتان كانت الأولى حين تم إقصاء د. طه حسين عن الجامعة بسبب كتابه ” الشعر الجاهلى ” 1932م والتانية حين اقتحم البوليس حرم الجامعة 1937م ، كما كان يرفض إنشاء المدارس الأجنبية فى مصر وضد إنشاء المدارس الدينية سواء إسلامية أو إرساليات مسيحية .
دعاه أحمد ماهر رئيس الوزراء 1944م ليكون عضوا فى الهيئة التى دعا إليها الحلفاء لدراسة إنشاء منظمة دولية جديدة بدلا من عصبة الأمم ، ثم عين وزيرا للخارجية فى وزارة إسماعيل صدقى 1946م وشارك فى المفاوضات مع بريطانيا والمعروفة بمفاوضات صدقى -بيفن لكنها فشلت ، فاستقال من الخارجية واعتزل العمل السياسى نهائيا ، ولكنه ظل رئيسا لمجمع اللغة العربية منذ 1945 وحتى وفاته 1963م . وقد أسس عددا من المجامع اللغوية منها المجمع اللغوى بالعراق وجمعيات علمية مصرية .

زر الذهاب إلى الأعلى