مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب: بوابة مصر الشرقية 2/1

0:00

دائما ما كانت الحدود الشرقية لمصر مصدرا لكل الغزوات الخارجية التى تعرضت لها على مر العصور، فجاء منها 21 إحتلالا ، فيما عدا الفاطميون الذين جاءوا من غربها من بلاد المغرب عبر البحر المتوسط وفرنسا وإنجلترا شمالا عبرالبحر المتوسط .
معروف تاريخيا أن أول إحتلال عرفه التاريخ كان فى مصر، حين تسللت قبائل رعوية من سوريا وفلسطين “الهكسوس ” إلى مصر عبر بوابتها الشرقية ، والتى مثلت دائما التهديد المباشر لها إلى وقتنا هذا .
تسرب الهكسوس إلى مدينة “بيلوز” التى تبعد مسافة ميل ونصف الميل من ساحل البحر المتوسط ، وأقاموا مدينة ملاصقة لها بنوا عليها القلاع والحصون ووضعوا بها مأتا ألف جندى . وبعد طرد الهكسوس أصبحت ” بيلوز مدينة قوية الحصون ضمت الكثير من الآثار الفرعونية والكنائس والأديرة فهى مفتاح مصر الشرقى .
ذكرت بيلوز فى التوراة باسم “سين” ومعناها “قوة مصر” ، أما اسم “بيلوز” فهو نسبة إلى فرع النيل البيلوزى ، فكان للنيل سبعة أفرع ، والفرع البيلوزى هو الفرع الشرقى واسمه بحر الطينة أو البحر البيلوزى وكان يبدأ من النيل جنوب موقع القناطر الخيرية ( أى قبل الدلتا الحالية ) ويصب فى البحر المتوسط .
ثم عرفت بيلوز فى العصر القبطى باسم ” برمون”او”برما” وتعنى بيت آمون ، إلى أن كان الفتح الإسلامى فسماها العرب ” الفرما “، وهى تبعد عن مدينة بورسعيد بنحو 30 كيلو متر . وبالمناسبة تمتد جزور مدينة بورسعيد إلى ثلاث مدن عريقة ، الفرما مفتاح مصر من الشرق ، تنيس وكانت من أعجب المدائن وأعظمها بينهما مدينة الطينة وبها قلعة لحراسة الحدود .
اكتسبت الفرما أهميتها الإستراجية لكونها تشرف على الطريق القادم من الصحراء نحو مصر وبها ميناء كبير على الفرع البيلوزى من النيل لتتوسط طريق الغزو المشهور للقادم من الصحراء شرقا ومن البحر شمالا وهو طريق رفح – العريش – الفرما – القرين – العباسة – بلبيس – عين شمس – بابليون .
كما للفرما أهميتها الدينية فمن خلالها قدم إبراهيم عليه السلام ويوسف عليه السلام ، وذكرت فى القرآن الكريم فى سورة يوسف ، حين طلب نبى الله يعقوب من أبنائه أن لا يدخلوا مصر من باب واحد بل من أبواب متفرقة ، فقد كان للمدينة عدة أبواب . وكانت الفرما إحدى المحطات الرئيسية فى مسار العائلة المقدسة ، فقدمت من بيت لحم عبر طريق رفح – بيلوز “الفرما ” .
ومن خلال الفرما دخل الإسكندر الأكبر إلى مصر دون قتال ، وإجتاح الفرس المدينة سنة 616 م فحطموا كنائسها وأديرتها ، وفى سنة 640 م تمكن عمرو بن العاص من فتحها بعد حصار دام ما يقرب من شهرين وكان أول موقع يقاتل فيه قتالا شديدا لدخول مصر .
وأثناء الحروب الصليبية قام “بلدوين ” ملك بيت المقدس بتدمير مدينة الفرما تماما سنة 1118م وبعد أن استولى عليها ذبح أهلها وأحرق جوامعها وتأهب ليدخل مصر ، ولكن إرادة الله منعته فقد أصابه مرض خطير اضطره للعودة من حيث أتى إلى بيت المقدس ، لكنه مات قبل أن يصل العريش ، نزع جنوده أحشاءه ودفنوها على تلة فى الطريق وأقاموا على قبره حجرا كبيرا ، وعرف ذلك المكان باسم ” بردويل ” بعد أن حرف الإسم ولا يزال إلى اليوم يعرف به وهى” بحيرة البردويل ” ، أما جثته فحملوها إلى بيت المقدس ودفنت هناك بجانب أخيه الملك فيردريك .
أما مدينة ” تنيس” فكانت ثغرا بحريا مهما وبها أسطول كبير ، فهى تقع على جزيرة تصل إليها من الجنوب ترعة تسمى “ترعة الروم ” تخرج من فرع النيل التنيسى الذى كان يصل إلى الصالحية ، وهى فى الطرف الشرقى من بحيرة تنيس – المنزلة حاليا – فكانت هى والفرما تقعان على طريق قوافل صحراوى يصل بينها وبين ميناء القلزم – السويس حاليا – على البحر الأحمر فتحمل هذه القوافل التجارة القادمة من الشرق إلى الفرما وعبر البحر المتوسط تحملها إلى سواحل الشام وآسيا الصغرى واليونان .
ظلت تنيس حتى القرن العاشر الميلادى تحتفظ بآثار مصرية قديمة ونحو 160 جامعا و72 كنيسة و36 حماما ، كما كانت لها أسوارا حصينة فيها 19 بابا مصفحا بالحديد الثقيل .
اشتهرت تنيس بالغنى والثراء واذدهرت بها التجارة ، واشتهرت بصناعة المنسوجات القيمة فإلى جانب صناعة الملابس والمفروشات ، كانت تصنع بها كسوة الكعبة الشريفة لقرون طويلة ، كما برع أهلها فى صناعة السلاح من الصلب وصناعة السفن ، ومن الملاحظ أنه بعد أن فتحها المسلمون تركوها كما هى ولم يلحق بها أى أضرار وتركوها واتجهوا إلى الفرما .
ظلت تنيس على هذه الحالة من الثراء والإنتعاش لسنوات ، إلا أنها بسبب موقعها القريب من ساحل البحر كانت دائما معرضه لغارات البيزنطينيين ومن بعدهم الصليبيين ، فأمر صلاح الدين الأيوبى بإخلائها من أهلها سنة 1192م ومن بعده الملك الكامل محمد حيث أمر سنة 1227م بهدم أسوارها وحصونها ، فهجرها أهلها بعد أن تحطمت مساكنها وحصونها وأسواقها الشهيرة وأصبحت أطلالا . تكررهذا الفكر الغريب فى دمياط والفسطاط !
وللحديث بقية و نشأة مدينة بورسعيد ..

زر الذهاب إلى الأعلى