مقالات الرأى

لينا مظلوم تكتب: قامات وتكريمات

0:00

بعيدا عن كل آفات الشوفينية والتعصب عن رؤيه قاصرة, يذكر التاريخ الفني والثقافي ان هوية توهج وانطلاق المبدع كانت وما زالت تصدر من القلب المصري لينطلق صداها الى الوجدان العربي من مشرقه الى مغربه. تحتضن مصر الموهبة حتى تبلغ مستوى النضج وتشرق نجاحاتها حين تجتاز الحدود. بالتالي لم يكن رفض ظهور اي فنان او فنانة, تحديدا القامات التي شكلت مخزون رائع من السعادة عند المشاهد عبر أغاني, اعمال دراميه تلفزيونية, اعمال سينمائية, وتكريمهم من اي جهة عربيه قائم على منظور عدائي او شوفيني. الادق ان تتقبل الملاحظة في إطار الحرص المتبادل عبر عقود بين المبدع وجمهوره. احد عناصر النجاح التي حرصت القامات الفنية على تكرار الالتزام بها هو الحرص على الاختيار.. الكلمة, اللحن, السيناريو, واخيرا الاطلالة التي ينتظرها ملايين المحبين الحريصين على صوره رائعة تركتهتا لنا اميرة احلامنا وهي تشدو بعذوبه لتاسر مشاعرنا بارق كلمات الحب .فالجمهور ايضا يبادل نجومه المفضلين الحرص على رؤيتهم في اطلالة تتناغم – او على الاقل تقترب – من الصورة التي رسخت في قلوبهم.
    الشعور السلبي لدى البعض نتيجة الصورة الباهتة لظهور المبدع, وهنا لا تقتصر الحالة على ظهور قامة غنائية اخيرا على مسرح احد حفلات الجوائز التي اقيمت في عاصمه عربية, لكن سبقها منذ حوالي عام حفل تكريم قدم ذات الصورة الباهتة لفنان شكل حال غنائية خاصه ومتفردة منحته القمه على مدى عقود, تميزت رحلة نجاحه على حرص شديد في انتقاء كل كلمة و ادراك مضمونها.
   قطعا لا يوجد منطق لرفض مبدا تكريم اي شخصية فنية خصوصا حين تكون جديرة بالتكريم من كل الدول العربية وجماهيرها, حيث يمثل وجود هذه القامات في اي مكان تكريم للمكان. لكن يبقى العامل الاهم هو الصورة التي يتم بها اخراج هذا التكريم امام الجمهور تحديدا مع توافر بدائل للمشاركة تقديرا لهذا التكريم. الصياغة الاكثر تعبيرا عن الكبرياء والاعتزاز بالتاريخ الفني تمثلت في اختيار عادل امام الفنان الكبير عبر ارسال رسالة صوتية مع وجود مشرف لأولاده المخرج رامي امام والممثل محمد امام. عادل امام احترم فنه فبادله الفن الاحترام منذ بداياته الاولى على المسرح مع القدير فؤاد المهندس ومواقفه الوطنية ضد جماعة ظلامية حاولت عبر مزاعم التكفير اطفاء الدور التنويري الذي حملت مشعله مصر عبر التاريخ. اختيار عادل امام لقطة الاعلان عن اعتزاله هي المحطة الاخيرة في مسيرة خلقت من موهبة ممثل ناشئ حاله استثنائية تحققت مع التوظيف الذكي للموهبة والاحترام حتى استحق عادل امام لقب الزعيم من قلوب محبيه. كان في امكان شريكه احلامنا في الفن الراقي التواجد عبر حوار صوتي ينقل الرسالة التي تود ايصالها, ما كان سيخلق انطباع اكثر تأثيرا بين ملايين محبيها الحريصين على اطلالتها المشرقة وصورتها الجميلة.  
   الاشكالية الاخرى تكمن في اعتزاز اي قامة بالتكريم من بلدها بصرف النظر عن السعادة تجاه اي تقدير يحصل عليه المبدعين المصريين في اي بلد تعبيرا عن المكانة الرفيعة التي تزين بتواجدها المميز مختلف المناسبات والمهرجانات الفنية. عادل امام وكل قمم مصر الفنية لم يتأخروا عن تلبية دعوات التكريم من وطنهم في اعتراف صريح بدوره في صناعة رصيدهم الشعبي الكبير بالتالي كان من الطبيعي ظهور مشاعر الدهشة لدى البعض حين يلمسون عزوف اي مبدع عن هذا الاحساس المميز حين يكرم من وطنه. 
   الاكثر اثارة للدهشة حجم الاسقاطات السلبية التي حاول البعض اضفائها على جرعة مشاعر حرص شديد نابع من محبة اشد. لعل أغربها اتهامات بإثارة نزعات تهدف الى تفرقة اصلا لا وجود لها. لكن حاله الدفاع الساذج والغير مدروس دائما ما تعمد الى خلط الاوراق بين الحرص على “الكاريزما” والجاذبية الخاصة التي تميز بها ظهور ايقونات على الفن على المسرح عبر التاريخ, وهو امر  لا يتعلق بالتقدم في العمر طالما امتلك الفنان القدرة الحقيقية على الوقوف والاداء على المسرح شرط الا يخدش ظهوره ملامح الصورة الراسخة في ذهن معجبين قد يتقبلون فكره تقدم العمر لكن حتما سيتوقفون امام ظهور معالم الضعف وعدم القدرة على الاداء> 
مخزون عطاء القامه الفنية ورصيد محبتها لدى الجمهور بالتأكيد تضع عليها مسؤولية اختيار مكان ولقطة الظهور النهائي قبل الاختفاء عن الأنظار, بالتالي ليس كثيرا ان تكون هذه الخطوة داخل وطن احتضن عبر تاريخه كل موهبة مصرية كانت او عربية. تحديدا ان هذا الوطن لم يبخل بتوجيه دعوات متعددة لتكريم قاماته الإبداعية, وهو ما يؤكد الذكاء في اختيار عادل امام وغيره من قمم التمثيل والغناء عند الابتعاد عن الانظار ان تكون مصر هي التي تحتضن لحظة الابتعاد بعد اعتراف التاريخ بريادتها في احتضان انطلاق المواهب.
 

زر الذهاب إلى الأعلى