ثقافة وابداع

قصيدة : طفلة اليوريد

شعر ـ د. محمد سعيد شحاتة

إلى طفلة اليوريد الساكنة غصون الغاف،

ومياه الأفلاج، وعبير الصحاري

عينان جائعتان

تستلقيان على حرير الوقت

والصحراءُ تنسجُ جنَّةَ العينين

فاكهةً ونخلا

هذا نشيدُ القلبِ

يرسمُ في المساءِ دروبَ مَنْ مرُّوا

شموعَ الساكنين شغافَنا

نايًا وظلا

اقرأ تراتيلَ المساءِ

وأوقد النيرانَ

واستنطقْ مآذنَكَ القديمةَ

همهماتِ الحلمِ

ترتيلَالألىنسجوادروبَالعينِ

أشواكًا ونصلا

عينان جائعتان

تلتمسان في الصفصافِ أزهارًا نديَّةْ

وتلملمان بقيَّةً من عطرِ مَنْ عبروا

ومَنْ نسجوا خيالَ العمرِ ألحانًا شجِيَّةْ

عمرٌ يحاصِرُ بعضُهُ بعضًا

يُعانِقُ بعضُهُ بعضًا

شموسٌ تقتفي آثارَ أقدامٍ

ومئذنةٌ تردِّدُ مجدَ أغنيةٍ عصيَّةْ :

يا آخرَ النجماتِ في قلبي

وأوَّلُها بهاءً

طفلةُ اليوريدِ تحتضنُ السيوفُ ضلوعَها

وتُخضِّبُ الأنفاسَ

ترصُدُ حشرجاتِ الروحِ في مُدُنِ الزجاجِ

وتقتفي آثارَ أقمارٍ

تراودُ نفسَها عن نفسِها.

*

  • مَنْ أنتِ ؟
  • مَنْ أنتِ ؟!!

يرتبكُ السؤال على شفاهِ النايِ

يروي الغافُ ما حملتْ ضلوعٌ من حنينٍ

  • مقلتان على غصونِ الغافِ جوهرتان من حلمٍ

يُفتِّشُ في عيونِ الرملِ عن وعدٍ

تُداعبُهُ القلوبُ الظامئةْ

ويُلَمْلِمُ الأنفاسَ من وادٍ

تَكدَّسَبالعيونِالمُطْفأةْ :

ياطلفةَاليوريدِ

تستبقين ألسنةَ الزمانِ

تُطاردين فراشةً نَكِرَتْ شباكَ القحطِ

فالتمستْ دروبًا للسهول

وتلملمين ضلوعَكِ الأنثى

وونَّةُ مالدٍ تمضي على جسدِ الهمومِ

تَقَرُّفيجسدِالقصيدةِ

والبلادُ سفوحُ عينيكِ التمستِ عناقَها

يا طفلةَ اليوريدِ

يا قيثارةَ الحلمِ البديع

تنسلُّ خلف غصونِ الغافِ باحثةً

عن مَكْمَنٍ ، تتـوارى ثـمَّ ترتقـبُ

تداعـبُ الثــوبَ والعينان شـفَّهما

براءةُ العمـرِ لا هَــمٌّ ولا نَصَــبُ

تُوَشْوِشُ الغصنَ عن سـرٍّ يُراوِدُها

وتسترُ الطرفَ والأنفاسُ تضطربُ

من سدرةِ النورِ تنثالُ الرؤى وهجًا

على جفـونٍ غـذاها الحلمُ يَعْتَجِبُ

حلمٌ على شرفاتِ القلبِ مرتسـمٌ

وفي ضفافِ المـنى لم تُخْـفِهِ الحُجُبُ

يروي دروبَ الحــياةِ القفـرِ آونـةً

وأكؤُسُ النورِ في الأضلاعِ تنسكبُ

*

عينان جائعتان

تلتمسان في وهجِ الحياةِ دروبَها

تستلقيان على حريرِ الوقتِ

تعتلجان والذكرى

وونَّةُ مالدٍ تمضي على جسدِ الهمومِ

تَقَرُّ في جسدِ القصيدةِ

تشرئبُّلآخرالنجماتِ

في قلبٍ تَدَثَّرَ بالحنين

مَنْ للجراحاتِ في ليلٍ حوافـرُهُ

مُـدىً وأنيابـُـهُ تستعذِبُ الفكـرا

تُحدِّثُ العينُ عن أوجاعِنا قصصًا

ونكـتمُ الآهَ حـتى تحــرقَ الصدرا

كم قاومتْ أنْفُسٌ غزوَ الخريفِ وكم

تنفَّسـتْ فـي رباها الهـمَّ والقهــرا

فلا ظــلالٌ تقـيها فـي شواطـئها

ولا نخيلُ الأمانـي يُخْـرِجُ التمـرا

نُهَدْهِـدُ الحلـمَ في كثبـانِ أعيـننا

ونرسمُ الروضَ فوق الماءِ مُخْضَرّا

*

يا طفلةَ اليوريدِ

يرتبكُ السؤالُ على شفاهِ النايِ

قد كانتْ لنا ناياتُنا

وحديثُ زخَّاتِ المطرْ

تتبعثرين على غصون الغاف أغنيةً

تُعَتِّقُ ما يقولُ الرملُ لليلِ المُضّمَّخِ بالخرافةِ

حين تستلقين في حضنِ التضاريسِ/الصحاري

والحكايا والقمرْ

ولك الجذوعُ الباقياتُ من النخيلِ

ووردةٌ في أرخبيلِ القلبِ

جفَّفها الحريقُ

فهيِّـئي مرثيَّـةً لخرافةٍ

والمدى مُهَجٌ مُبَعْثرةٌ

وأنتِ على جذوعِ النخلِ

ترتسمين آنيةً مُهَشَّمَةً إذا مَرَّ العبير

ولكِ الجذوعُ الباقياتُ من الحنينِ

وونَّةٌ تمتدُّ من عمقِ القِفارِ

إلى تخومِ القلبِ

والغافُ انشطارُ الروحِ

والأشلاءُ أمكنةٌ لوسوسةِ الأساطيرِ

انشطاراتِ اللحونِ على وجوهِ الراحلين

وهمهماتِ النازفين

*

عينان جائعتان

تستلقيان على حريرِ الوقتِ

والصحراءُ تنسجُ جنَّةَ العينين

فاكهةً ونخلا

هذا نشيدُ القلبِ

يرسمُ في المساءِ دروبَ مَنْ مرُّوا

شموعَ الساكنين شغافَنا

نايًا وظلا

زر الذهاب إلى الأعلى