مقالات الرأى

عبد المعطى أحمد يكتب: لويس عوض ومسيرته الفكرية

0:00

تمر هذا الشهر الذكرى الرابعة والثلاثون على رحيل الدكتور لويس عوض أحد أهم أعلام البحث والنقد والترجمة والفكر فى مصر والوطن العربى.
ولد لويس عوض بقرية شارونة بمركز مغاغة بمحافظة المنيا عام 1915 لأب كان يعمل بالحكومة السودانية, واستقال من وظيفته عقب خلاف نشب بينه وبين رئيسه الانجليزى ليرحل بعدها إلى وظيفة “باشكاتب” بمديرية أعالى النيل عام 1922 , وهذا الموقف حفر فى وجدان الطفل لويس ذى السبع سنوات معنى الكرامة, إذ رأى والده وهو يرفض إهانة رئيسه الانجليزى, فقرر الاستقالة حفاظا على كرامته, مما يفسر لنا فيما بعد إقدامه على الاستقالة من جريدة الجمهورية فى أعقاب أزمة مارس 1954 احتجاجا على الاعتداء على الدكتور عبد الرزاق السنهورى رئيس مجلس الدولة.
وكان لنشأته فى أسرة وفدية دافعا لمتابعة كل ماينشره العقاد, ففتن به لدرجة كبيرة, وقد عبر عن ذلك بقوله: “كنت أخرج لاهثا كل مساء فى السابعة إلى محطة السكة الحديد بالجلباب والشبشب لأشترى جريدة “البلاغ” عند نزوله من القطار قبل أن تنفد أعداده”, غير أن هذا الإعجاب والانبهار سرعان ماتحول إلى صدمة عنيفة عندما قام بزيارته قبل أن يسافر إلى انجلترا عام 1927 ليبلغه بموضوع الدكتوراه التى قبلت جامعة كامبريدج تسجيله وهو “تقاليد التعبير الشعرى فى الأدبين الانجليزى والفرنسى”, وسبب الصدمة رد العقاد عليه إذ قال له: ” لماذا تضيعون الوقت على هذه الموضوعات المنعزلة عن الحياة؟”, لماذا لاتكتب رسالة فى موضوع نداء الباعة فى الشوارع؟.
ومثل انشقاق طه حسين عن حزب الأحرار الدستوريين فى بداية الثلاثينيات وانضمامه إلى صفوف الشعب بالغ الأثر عليه, وعلى جيله بكامله, ودعم هذا الشعور رفضه كعميد لكلية الآداب منح أربعة من أقطاب السياسة درجة الدكتوراه الفخرية متحديا حكومة اسماعيل صدقى باشا, كما أن طه حسين كان سببا فى حصوله على منحة البعثة, فى حين مثل لقاؤه الأول مع سلامة موسى رافدا مهما فى تكوينه الوجدانى والثقافى الذى عرفه بتاريخ مصر القديمة, ووجهه إلى الاشتراكية وقراءة برنارد شو, وفتح عيونه على الأدب الروسى لينتقل لويس عوض بعدها إلى مرحلة أرحب وأوسع وجدانيا وثقافيا, أبطالها أساتذته الانجليز الذين أعادوا صياغة أفكاره بنكهات مختلفة عن ذى قبل, فكان المؤثر الأكبر فى حياة لويس عوض الفكرية أستاذه “أوين هولوأى” الذى درس له مادة المؤثرات الأجنبية فى الأدب الانجليزى, وهو ماقاده فيما بعد إلى دراسة الأدب المقارن عندما طبق أسسه على الأدب العربى فى كتابه”على هامش الغفران”, ودراسته عن المؤثرات الأجنبية فى الأدب العربى الحديث , كما كان لدراسته لعلم الدلالة وعلم اللغة الحديث أثر بالغ دفعه إلى تأليف كتابه المثير للجدل أنذاك ” مقدمة فى فقه اللغة العربية” والذى جعل الأزهر يطلب بمصادرته وإحالته للتحقيق.
ويمكن القول إن معاركه الفكرية جلبت عليه متاعب جمة وصعابا, لكنها ساهمت بشكل كبير وعميق فى تقدم الأدب والفكر العربى الحديث , حيث دعا إلى ضرورة توظيفهما من أجل الحياة, وتحطيم الشعر العمودى, وتفضيل الكتابة بالعامية, وله دراسة مهمة بعنوان” حطموا عامود الشعر”.
ويلاحظ على مسيرته الفكرية أنه لم يكن على وئام تام مع السلطة, إذ كانت فى نفسه غصة من حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر, بسبب نقله من الجامعة بتهمة الشيوعية لدرجة دفعته إلى إصدار كتاب عنوانه,”أفنعة الناصرية السبعة” عبر فيه عن الكثير من تحفظاته تجاه حكم عبد الناصر بعد وفاته, كما أبدى تحفظا بدرجة كبيرة وملحوظة على عبارة دولة العلم والإيمان والرئيس المؤمن, والتى انتشرت إبان فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات.
وعدت سيرته الذاتية التى حملت عنوان, “أوراق العمر” بأنها الأجرأ فى أدب الاعترافات العربى والتى أغضبت عائلته وأصدقاءه منه بشكل كبير, إذ كان يرى فؤاد حداد شاعرا مصنوعا ثقافته فرنسية, فهو يفكر بالفصحى, ثم ينقل هذا الفكر إلى العامية, كما أن الصحافة قد ساهمت فى رفع أسهمه, فى حين يرى صلاح جاهين شاعرا حقيقيا.
تبدأ خلال ساعات الدراسة فى جميع المدارس الحكومية بمختلف المراحل, والقضية التى تشغل بالنا جميعا منذ سنوات هى الانضباط الدراسى والذى يتمثل فى الحضور للمدرسة بانتظام وعدم التغيب إلا فى حالات قهرية , ذلك إن أبسط البديهيات تقول :إن المدرسة وجدت لتكون مقرا للتعليم أى يتواجد فيها مجموعات من الطلبة, ويدرس لهم أساتذة أو مدرسون من خلال فصول محددة ومعروفة, إذن المفروض أن تكون المدرسة مستعدة لتوفير الأماكن للطلبة والمدرسين, وذلك بعد وصولهم إلى المقر المتعارف عليه, أما إذا خلت الفصول من الطلبة والمدرسين فمن المسئول؟ أنا شخصيا أرى أن الأسرة هى المسئولة رقم 1 عن تربية الأبناء, وغرس القيم فى نفوسهم, وتهيئة عقولهم لاستيعاب العلوم المختلفة, وبالتالى إذا لم تقم الأسرة بتلك المسئوليات فلاتلوموا المدرسة, وحاسبوا من اعتبرها العلماء الخلية الأولى فى المجتمع, ونحن قد سمعنا تصريحات طيبة من وزير التعليم الجديد عن الحضور والغياب أرجو أن تتحقق, وألا يدخل فى نفس الدوامة المعادة والمكررة التى نشهدها كل عام.

زر الذهاب إلى الأعلى