مقالات الرأى

صفوت عباس يكتب : وزير للعقل

0:00

كانت يوليو ١٩٥٢ حلقه مفصليه في تاريخ مصر ليس فقط السياسي بل الاجتماعي والاقتصادي، وربما لاننا لم نعشه لم نستشعر جيدا هزه التغير فرحا عند الملايين من السواد الاعظم من المصريين الذين صعدوا لمكان تحت الشمس وبالمقابل هزه الانتكاسه لدي ممثلي مجتمع ال ٥٪ من فئات الاقطاعيين والراسماليين والحاشيه والمنتفعين الذين شملهم نظام ملكي ليبرالي راسمالي متوحش ليصبحوا بين عشيه وضحاها الي رعايا نظام اشتراكي قلم اظافرهم المغرسه في لحم الشعب بالتأميم والتمصير والاصلاح الزراعي.
اذن اللحظه بجد فارقه فاصله عكست اتجاه بلد الي اتجاه مغاير الامر الذي كان معه تغيرات في مفاهيم الناس وتصرفهم ورأيهم استنادا الي تغير في اتجهات السياسه والاقتصاد والتحولات الاجتماعيه التي حوتهم والي حد كبير وضخم كان المجتمع متماسكا متحدا خلف قيادته وصنع هذا ان يوليو ٥٢ جائت لصالح المجموع الاكبر من الشعب وعلي استحياء كانت هشاشه تسببها اضغان في نفوس بقايا الملكيه.
.. يناير ٢٠١١ حدث تحول اخر لايقل عن التحول السابق حده وان اختلف في ان نظام الحكم السياسي ظل جمهوريا مع استمرار النظام الاقتصادي هجينا بلا ملامح فاصله بين اشتراكي وراسمالي حيث الاقتصاد مازال بملكيات عامه ودوله راعيه وداعمه ونظام اجتماعي صعد الي النور بابناء الفئات التي كانت مهمشه قبل ١٩٥٢، لكن التماسك في الرأي والرؤي هش اذ ان نظام الحكم الجمهوري بعد ٥٢ قد خلق فئات تدرجت في افكارها السياسيه مابين اشتراكيين وليبراليين علاوه الي انصار الاسلام السياسي الذين تارجحوا مابين ضعف وقوه الي ان ظهروا علي السطح بقوه اخر ايام حكم مبارك وبقوه ساحقه فيما بين ٢٠١١ الي ٢٠١٤.
تفرع عن هذا مسميات ناصريون وقوميون وتقدميون واصحاب فكر ليبرالي وفي الاسلام السياسي الي سلفيين واخوان مسلمين.
ومع اعتبارات التحول لليبراليه اقتصاديه مع انفتاح السادات رحمه الله اصبح للارتفاع الاقتصادي طرقا ايسر واسرع ومتاحه لمن يملك ادواتها، وعليه اصبح الصعود السياسي (في المجال النيابي مثلا) مطلبا ملحا لفئات بانتماء سياسي للتصنيفات السابقه او لمن دانت لهم الدنيا وصعدوا ماليا لاستكمال وجاهه اجتماعيه.
ثوره ٥٢ اتاحت نظاما تعليميا جيدا ومفتوحا لكل الفئات قاده نطام مدرسي وجامعي كفء فصعد بالتعليم والتوظيف فئات اخري اصبحت ذات رأي ورؤيه لكنهما اندحروا بفعل الزمن وبملايين الحاملين لشهادات دون فحوي علمي من خريجي مدارس وجامعات اداره مبارك رحمه الله ولكن خلقت لهم الشهادات راي قد يجانبه الصواب .
هذا كله خلق رؤيه عامه هشه وبلا وعي يقراء الاحداث والمحيط ويفسرها ويتصرف علي اساسها ومع حاله الخلاف لاختلاف الخلفيات السياسيه والاقتصاديه ومع الازدحام السكاني اصبح الفهم العامة بحاله ميوعه قد تنذر بكارثه
نظام. حاله هشاشه اخري صنعها خيبه رجاء انصار الاخوان المسلمين الذين دشنوا احلاما عريضه للصعود السياسي والفرصه الاقتصاديه والاجتماعيه وذهبت احلامهم بذهاب حكم الاخوان… كرست فوضي الاتصال وعشوائيته وتعدد قنواته مابين اعلام متلفز فضائي متعدد واعلام السوشيال ميديا الذي استأسد وتصدر واحتل المرتبه الاولي في مدد وتواصل البث وعدد من يبث ولايخفي ان من بينهم من يحمل توجها وتوجيها مقصودا ومع اندحار الاعلام الرسمي وتدني مستوي محتواه توفر تشويش الوفره الاعلاميه التي دشنت ثقافه القطيع انجرافا وراء البث المغرض المتقنه صناعته.
.. اداره جمال عبد الناصر رحمه الله ادركت انه نتيجه للتغيير لابد ان تحدث تغيرات في وعي الناس وثقافتهم ولانها كانت بصدد تاسيس جمهوريه مع توجه مغاير للسابق اهتمت فانشأت وزاره الارشاد القومي ثم اول وزاره ثقافه كان علي راسها الراحل العظيم الجنرال الدكتور (ثروت عكاشه) الذي كان يحمل فكرا ثوريا واراده مثقف واع وحسا وطنيا فاشعل مناره الثقافه في مصر التي كانت قبله صحافه لاتصل الا لعواصم المحافظات ومذياع تلتف حوله العقول عند حانوت بقال او حلاق او عند ابوهم العمده لنخب القري المظلمه.
د . ثروت عكاشه صاحب اكبر مشروع تنويري وثقافي في مصر شكل وعيا وعقلا لاجيال اجتازت به فتره عصيبه من الصراع بين الملكيه والجمهوريه.. والرأسماليه والاشتراكيه وبين تمكن فئه وتمكين وطن وشعب.. واشعل منارات تنوير في كل ربوع مصر..
نجح عكاشة في العمل علي تأسيس بنية ثقافية مؤسساتية شاملة ذات طابع تعليمي وأكاديمي تربوي تسعى إلى نشر الثقافة شملت تأسيس معاهد وأكاديميات متخصصة، أما المسار الثاني، فارتبط بجعل هوية مصر الثقافية تعددية مع الانفتاح على الثقافة الغربية ومؤسساتها الدولية والإقليمية.
وكانت وزارة الثقافة في عهده مؤسسة حقيقية شكّلت مثالاً يحتذى به لبقية الدول العربية التي استلهمت التجربة المصرية بعد الاستقلال الوطني حيث أنشأ المجلس الأعلى للثقافة (المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب وقتها)، و”الهيئة العامة للكتاب”، و”أكاديمية الفنون”، و”دار الكتب والوثائق القومية”، وفرق دار الأوبرا المختلفة، والسيرك القومي ومسرح العرائس، و”جهاز الثقافة الجماهيرية”، وكان دوره باستقدام خبراء عالميين لجمع التراث المصري، إضافة إلى الدور الذي قام به في توجيه نداء عالمي لإنقاذ آثار النوبة بعد تأسيس السد العالي وإعادة بناء معبد أبو سمبل في أسوان، وتأسيس مشروع “الالف كتاب”
كان عكاشه رحمه الله يري ان مهمه وزاره الثقافه ليست محاولة من الدولة لصنع ثقافة حكومية وإنما لتشجيع ازدهار القيم والتطلعات الثقافية بكل أنواعها حتى تفرغ الدولة لنشاطها في الميادين الأخرى”، ويقر بأن السؤال التقليدي عن ماهية الثقافة تم تجازوه إلى أمر آخر هو السياسة الثقافية أو الإطار العام للعمل الثقافي، ومهمة الوزارة: “تسيير السبل للخلق والإبداع وليس احتكاره، مع إقامة المشروعات الكبرى التي لا يقوى الأفراد على إنجازها”.
.. حاله الميوعه في وحده اطار وتوجه ثقافي عام يجمعنا الان مع هبوط قيمه واثر فكر المجموع وتمزقه وتشتته وانحداره الي مستوي الوعي هو المنفعه والتسلق دون اعتبار للتحديات التي تواجه الوطن وتهز اركانه _كل هذا _ يجعلنا بحاجه ملحه لوزير للعقل بحجم ووعي وهمه وفكر الدكتور ثروت عكاشه رحمه الله.

زر الذهاب إلى الأعلى