مقالات الرأى

صفوت عباس يكتب : (علبه مارلبورو فارغه.. تُنسينا عيشه اهلنا)

0:00

اضطررت لاستهلاك بيانات هاتفي البائسه للبحث عن معني كلمه (فشخره) فوجدتها كلمه عاميه مصريه تعني الاعجاب بالنفس وماتملك والتعالي بهما.
وصف دقيق لحالنا وتعبير يغني عن الف مقال ذلك ماورد في فيديو علي فيسبوك تحكي قصته عن كاشير في مول كبير ابلغ سيده تبدو في مقتبل العمر بان حساب مشترواتها بلغ بضعه آلآف من الجنيهات… تاففت السيده وقالت ان المبلغ سيدمر ميزانيتها…..بادرها بانها من طبقه متشبثه وقدم مقترحا بالغاء اصناف توابل معباءه بعبوات انيقه وباسماء لم تكن مالوفه او معروفه للطبقات الادني (كاري. بابريكا. زعتر. منكهات مختلفه) الخ وامرها بالاكتفاء بفلفل وكمون ونصحها ان شراء هذه الاصناف من عند العطار سيكلفها ١ علي ١٠٠ من سعرها بالمول واستطرد بانها ممكن ان تحتفظ بعبوات قديمه لزوم شكل ابهه بالمطبخ وشرح لها ان ابناء طبقتها من المدخنين يشترون علبه مارلبورو مره واحده وعندما تنتهي او قد يجدونها ملقاه فارغه ويقومون بملئها بسجائر من صنف محلي رخيص في رساله توحي بانهم يتعاطون تبغا فاخرا في فشخره زائفه….. مازالت الفاتوره عاليه اقترح الكاشير حذف مجموعه شامبوهات وبودي لوشن وابقاء عبوه واحده ثم قام بحذف عبوات ناجتس وبرجر وسوسيس ومصنعات لحوم ودواجن وفول معلب وقهوه بالبندق وكابتشينو واعشاب شرب في اكياس ومجموعات كانز لمشروبات طاقه وايس تي (شاي) ومعلبات ستار بوكس وخضروات طازجه مغلفه ونصح بشراء اصناف من محل الخضري ويائع الفول وبائع الدواجن والسجق البلدي بقيم زهيده والاكتفاء من المشروبات بشاي وقهوه فقط…. بعد مفاوضات وحذف اصناف انخفضت الفاتوره الي قيمه تعادل الربع من قيمتها الاولي… ومع سرور مختلط بالحسره وافقت السيده ودفعت وانصرفت.
من عاش ووعي قبل ٣٠ عاما او اكثر يعرف كم الاستهلاك المستفز الذي اضيف علي كواهلنا باختيارنا او قسراً تحت ضغط عدم رشدنا او رغبتنا في تمثيل الصعود الزائف او انسياقنا كقطيع ضحيه تأثير الاعلانات.
صناعه ونشاط ضخم يقوم علي تداول مخلفات الاستهلاك من عبوات بلاستيكيه ومعدنيه لحاويات المشروبات والاغذيه المعباءه التي نلقيها ببطوننا وربما قيمتها الحقيقيه بسعر العبوات التي تحتويها.. لو اسره من ٥ افراد بالغين هل لنا ان نتصور مبلغ فاتوره الاتصالات التي تدفعها في حين ان من سبق كان يدفع مبالغ ضئيله لتليفون ارضي وفي مجال الاعمال كان التلكس والفاكس ينجزان المطلوب وبموثوقيه تفوق الواتس والايميل المحمول عبر اشارات شبكات الجيل الرابع او العاشر _ المنطق يفرض ويقول بالتطور_ لكن مع عدم اهدار القيمه في محادثات تافهه ومشاهدات اكثر تفاهه ندفع فيها بلا تريث ووعي.
في شهر رمضان الماضي انتشرت اعلانات عن مطاعم (المندي) في مصر مع فيديوهات توضح الحشود علي تلك المطاعم لدرجه ان دور الزبون في الافطار قد يكون قرب السحور والمائده بصينيه سعرها الاف بعد خصم وهمي لنصف ثمنها حسبما تسوق الإعلانات !! والله اعلم بمكونات لحومها والفارق لصالح مكسبات الطعم والنكهه وطريقه التقديم!! والمعلقون باللاف علي الاعلان يشيرون لاصدقائهم يقدموا موعد لقاء هناك!!.
في مناسكنا الدينيه اصبح التردد الدوري علي الاماكن المقدسه ظاهره يمارسها كثيرون الان في حين كان ادائها لمره كاف مع ضبط السلوك حتي لايضيع اجراها وثوابها في حين الان يمارس الناس تكرار الزياره واصبح “الحج حج والطبايع هِيَ”.
الدروس الخصوصيه ظهرت وانتشرت قديما في نمط تقليد في وقت كانت المدرسه بقيمه وتعليم فسادت باعبائها المرعبه وسقطت المدرسه والتعليم كله ومؤخرا ظهرت الجامعات الاهليه والخاصه التي تستوعب انصاف الموهوبين من الطلاب بمصروفات مئات الالاف من الجنيهات والغرض التشدق من دافعيها بان ابنائهم يدرسون طب وهندسه وهم بقدرات بالكاد تؤهلهم لدراسه الزراعه او التاريخ.
انماط استهلاكنا في المأكل والملبس والديكور والعطور وعند القادرين في تبديل السيارات لم تكن قديما بهذه التكلفه ولم تكن وقتها بطون الناس جائعه ولا رائحتهم نتنه ولا سياراتهم بائسه ولا ملابسهم رثه فقط كانوا بقناعه ان يكتفوا بالجيد البسيط وبتكلفه في المتناول وبمجهود للسيدات في المطابخ وقدر عظيم من القناعه، انماط احتفالنا وموالدنا تكرس لاننا نحاول ان نعوض نقص دفين نحسه بكرنفالات احتفاليه مكلفه ويوجد بحياتنا ماهو احوج منها بالنفقه واصبحت مثالا للتشدق بالكرم وكانه واجب في تلك المناسبات فقط وبقيه العام ندافع عن يؤسنا بالبخل، ومثلها مراسم العزاء التي تضيف علي احزان الموت احزان انفاق فيما لايفيد.
هناك نمط فشخره غير مكلفه اطلاقا يكون باستعراض معرفه ماركات غاليه لهواتف وسيارات وماكولات وحتي مصطلحات علميه و سياسيه وريما لانعرف معناها _لاباس فهذا غير مكلف _.
ربما تصورنا ان الاستهلاك الترفي للمعلب والجاهز وتعاطي الفشخره الكاذبه سوف يرتقي بطبقتنا البائسه فإذا به يهوي بنا الي الحضيض وربما ان ندخن سجائر رخيصه معباء في علبه مارلبورو فارغه سيعوض قلتنا التي لانحترمها وينسينا عيشه اهلنا الذين مروا مستورين بالرضا دون ان تصيبهم امراض الاعوجاج النفسي والفشخره الكاذبه وربما حذف غير المهم والمناسب لطبقتنا من مُسْتَهلَكات سيعفي دخولنا البائسه من ثلثي ماتتحمل عندها سنحس حتما باننا في طبقه مكتفيه قنوعه موفره وربما لديها وفره تحلق بها مع الوقت والجهد وشيء من الحنجله واللولبيه _وكلنا اصبح يجيدها _ تحلق بنافي سماء طبقه اعلي ودون ان نتعاطي الوهم المهلك.

زر الذهاب إلى الأعلى