أنتهت منذ قليل فعاليات الأمسية الشعرية التي نظمها بيت الشعر بدائرة الثقافة بالشارقة ضمن منتداه الأسبوعي الذي يحتفي في كل فعالية من فعالياته بمجموعة من الشعراء الإماراتيين والمقيمين والقادمين من كل أنحاء العالم العربي، ليحلقوا في سماء الشارقة.
وقد شارك في هذه الأمسية الشاعر العراقي محسن ضياء، والشاعر الموريتاني داوود التجاني، والشاعر السوداني د. مازن صلاح الدين، وقدمتها أمل المشايخ، وحضرها الشاعر محمد عبدالله البريكي، مدير بيت الشعر، وحشد كبير من الجمهور الذي غصّ به فناء البيت، إذ حضر عدد كبير من محبي الشّعر ومن الشعراء والأكاديميين والنقاد، الذين تفاعلوا بشكل كبير مع النصوص وأجواء المكان.
وفي بداية الأمسية قدمت أمل المشايخ، أسمى آيات الشكر والعرفان إلـى راعي الثقافة صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على دعمه للشعر والثقافة والفنون، وقالت:
هو الشّعر حين يجمعنا كأم رؤوم حيث يغدو بيت الشّعر بيتًا للعائلة أو قلْ نهرًا عذبًا وركنًا من النّور نأوي ونسلمُ القلبَ إليه.
بعد ذلك بدأ الشعراء بالقراءة، ليسافروا بالحضور على أجنحة الإبداع والجمال، وافتتح القراءات الشاعر داوود التجاني، الذي يجيد الوقوف على المنابر بأدائه الآسر، ليحول مفرداته إلى نغمات راقصة مع لغة جسده، ومن قصيدة “صدى من الوادي المقدس”:
ككعبٍ قد أتيتُ وبي جراحٌ
ستنزفُ كلما بانت سعادُ
عليَّ من القداسةِ طهرُ أمّي
ولي في الله جزرٌ وامتدادُ
أتتركني مسجّى في المرايا؟
وتلفحني بنبضك يافؤادُ
كأنك في الهوى العذري غصنٌ
على كتفيهِ يستلقي الجرادُ
ثم قرأ مجموعة من نصوصه التي سيضمها في ديوانه عن مدينة كمبا، وقرأ من قصيدة الكينونة التي فاضت روحانية تجلت في مفردات المديح النبوي:
هوَ مذْ تكشّفَ وحيهُ المتواري
ورأى التَّجلي كاملاً في الغارِ
دلفتْ يداهُ إلى الحرائق علَّها
ماءً تريق على الوجودِ النارِيْ
ودنَا من الكلماتِ وهيَ يتيمةٌ
فتمثلتْ في النثر والأشعارِ
رَحبتْ أضاليع اليقينِ وكلما
وشِكَ الضياعُ هدتْ إلى استقرارِ
لم تغرِه النعراتُ ظَلَ محمدٌ
أنقى من الأحقاد والأثآر
أما الشاعر محسن ضياء، فهو ممسكٌ بالبرق، اتخذ من الأرق وسيلة ليعبر بها طوفان القصيدة حتى يستقر على جودي التلقي، ومن قصيدة “ممسك بالبرق”:
أرقٌ يفيضُ ولا يُفَضُّ
طوفانهُ والشعرُ فرضُ
يتلو بقارعةِ الحرو
فِ بهاءَهُ والضادُ نبضُ
ياشعرُ أسرجْ ليلَكَ التـــ
تالي فإنَّ الجَفنَ غضُّ
وامسكْ زِمامَ الحُلمِ واعـ
ــصبْ رأسَ قافيةٍ تَنضُّ
ولم يبتعد عن لواعج القصيدة، فهي التي شغلته، فأصبح موزعاً بين شطريها، يبثها وجده ولواعجه لليل والقمر والعمر:
قصيدةٌ هي هذي الروح مُذ خُلقَت
شَطرٌ تَبَقّى بها شَطرٌ قد ارتَحلا
تَشدُّ نَزفَ لياليها وتَعذلُها
عن كُل حرفٍ على أطرافها ذبُلا
وتسأل العمرَ خفّف وطئ لوعتها
يُجيبُها ضاحكًا قد خابَ من سألا
واختتم القراءات الشعرية الشاعر السوداني د. مازن صلاح الدين، فقد استلهم من البيئة شعره، ناجى النخل والليل والأضواء، وحاول أن يبحث عن حبرٍ وورق ليدوّن به هاجسه الذي بثّه في قصيدة “قرابين على حافة النخل:
أتىَ الحُفاةُ قرابيناً فقيل لهم
خِفُّوا قليلاً فبطنُ الأرضِ أشواقُ
وامضو إلى الدارِ تنبيكم، إذا بصُرتْ
خطوَ البداياتِ بينَ السُوقِ تنساقُ
والليلُ عارٍ، ولا أضواء تسكنهُ
فاستأذنو الليلَ أنْ يؤويه عُشَّاقُ
بالأمسِ جاسُوا وعينُ النخلِ ترقُبهم
منْ يكتبُ النعي؟…لا حبرٌ وأوراقُ
ولم تبتعد نصوصه عن الذات والعاطفة، فهي وقوده الذي يشتعل به حرفه، فتتشظى لغته أناقة وجمالا، ومن قصيدة “التماس لسيدةِ النص”:
وليسَ عِنْدِي سِوى نهرٍ أُجدِّلهُ
من الضفائرِ تطفُو في شرايينِي
وما بُكائِي على قلبٍ أنختُ بِهِ
من بعدما هدَّني نزغُ الشياطِينِ
إنِ اختنقتُ بدمعي، قيل دمعته
أو انتحبتُ، فإنَّي مُزعةٌ الطِينِ
وعتِّقُ الزهرَ، في أوصافَ سيدةٍ
وحرّك الجمْرَ من حينٍ إلى حينِ
وفي ختام الأمسية كرّم الشاعر محمد البريكي، الشعراء ومقدمة الأمسية، وقدم لهم شهادات التكريم .