عرب وعالم

سفير سلطنة عمان بالقاهرة: المحتوى العربي على شبكة الإنترنت لا يتجاوز 1%

أكد السفير عبد الله بن ناصر الرحبي، سفير سلطنة عمان لدى جمهورية مصر العربية، مندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، أهمية الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية.

 

وقال: “تمر علينا هذا العام في أيامٍ تعصفُ بِقلوبِنا فيها رياحُ حزنٍ تهب من غزة الصابرة الصامدة”.

 

وأضاف السفير الرحبي، خلال احتفال سفارة سلطنة عمان في القاهرة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، قائلا::”في القلب من واقعٍ عالميٍّ يزدحم بأسباب الصراع بمختلف مستوياته وميادينه، تواجه اللغة العربية مزاحمةَ لغاتٍ أخرى في العلمِ والاقتصادِ والثقافةِ، رغم أنها لغة ما يزيد عن 550 مليونًا من البشر حول العالم بينهم نحو 300 مليون تعد العربية لغتهم الأم”.

 

وتابع: اللغة العربية بهذا تحتلُّ المرتبةَ الرابعةَ بين لغات العالم في عدد متحدثيها بعد الصينية والإنجليزية والإسبانية، وهي تملكُ فرصًا جيدة للانتشار، بسبب اهتمام عددٍ كبيرٍ من سكان العالم بها، فهي لغة دين لما يزيد على ملياري مسلم. وفي الوقت الذي تتوقع فيه اليونسكو اختفاء نصف لغات العالم المنطوقة مع نهاية القرن الـ21، تتجه العربية إلى اكتساب مزيدٍ من الناطقين بها.

 

وأضاف أن البلاغة والبيان في التقليد الأدبي العربي، تعود دراساتها المؤسسة إلى ما يزيد عن ألف عام عندما خرجت من بغداد كتابات أَبي عُثْمَانْ عَمْرُو بْنْ بَحْرْ المعروف بِالْجَاحِظِ وعبد القاهر الـجُرْجَانِيّ وغيرهما، ممن بَنَوا أنساقًا يصفها إدوارد سعيد بأنها “مذهلةٌ”، ومعاصرة بشكل مدهش. وقد ارتكز، عملهم على العربيةِ الكلاسيكيةِ المكتوبةِ، دون المتداولة شفويًا، وهي قائمةٌ على القرآنِ الكريم.

 

وفي تجربةٍ شخصيةٍ قد تكونُ عينةً مـُمثِّلة لنوعٍ من الوحدة اللغوية يقول إدوارد سعيد، إنه: “من بين كل اللهجات، وحدها المصرية عرفت انتشارًا واضحًا… … فالاختلاف شاسعٌ بما يكفي، بين لهجات المشرق وكذا المغرب”.

 

وقد بقيت العربية الكلاسيكية حاضرة، كلغة مشتركة للكتابة، إلى جانب اللهجات السائدة، التي باستثناء المصرية، لم تنتشر خارج بلدانها. وهنا نستعيد ما استشهد به ابن فلسطين إدوارد سعيد حين نقل عن ياغوسلاف ستيكيفتش الذي خصص للعربية أفضل دراسة في العهد الحديث:  “إنها مثل فينوس Vénus، لقد انبثقت في إطار حالة من الجمال التام، ثم احتفظت به رغم طوارئ الزمان وإكراهاته”.

 

وفي صلتنا نحن بالعربية تشكل العلاقة بين الفصحى واللهجات العامية قضية قديمة – جديدة، وفي مقال نشره المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد قبل عشرين عامًا شبَّه إحلال اللهجات العامية محل العربية الفصحى بمن يملك سيارتين إحداهما رولس رويس والأخرى فولكز فاكن، فيستخدم الثانية ويهمل الأولى.

 

وأضاف: من جيلٍ إلى جيلٍ تنتقل ثقافة الآباء إلى الأبناء ومعها الفكر، والعادات، والتقاليد، والقيم، التي تعكس هويةَ أُمَّتَهُم. ومع طغيان دور وسائل الإعلام المرقمنة ثم الافتراضية، فقدت العائلة والمدرسة جانبًا من دوريهما وحلت محل قسمٍ كبيرٍ من دوريهما وسائط أخرى عمـمَّت أنماطَ تعبيرٍ لغويٍّ تهدد بمُدخلاتها هويتنا العربية الإسلامية، ورؤيتنا لأنفسنا وللآخر وللعالم.

 

ومع تصاعد النصيب الذي تحوزه “الرقمنة” عالميًا، تأتي الأرقام مثيرة للأسى، إذ لا يتجاوز المحتوى العربي 1% على شبكة الإنترنت، بينما يشكل المحتوى الإنجليزي 58%، كما يؤثر هذا التحدي الذي تفرضه هيمنة اللغة الإنجليزية في جودةَ الأداءِ باللغةِ العربية، إذ يقفد البعض قُدرتَهُم على الحفاظ على التقاليد اللغوية التي تحفظ سمات الأسلوب العربي.

 

ومَن مِنَّا لا يَرقُب بقلقٍ تَعرُّض الشاراتِ الـمُميِزة للهوية إلى إزاحةٍ منظمةٍ لتحل محلها رؤية لمواطن عالمي يستمد القدر الأكبر من سِماتهِ الـمُمّيِزة من عالم السلع التي يستهلكها، ومن الصور النمطية التي تُصنع في قطاع اللذة والترفيه الغربي.

 

وما معركة المعايير الأخلاقية التي تحكم ما يبثه الجيل الجديد من منصات الترفيه، إلا مرحلة من مسار ممتد تتهددنا فيه ثقافيًا وأخلاقيًا، العواقب المترتبة على تغولُّ لغات أخرى – بثقافاتها المغايرة لثقافاتنا – على لغتنا، التي تربطنا بتراثنا الثقافي الغني وتاريخنا العريق.

 

وأشار السفير الرحبي، إلى   أن مشهد احتفائِنا بلغتنا لا يكتملُ إلا بالاعتراف بفضل حُفَّاظها من اللغويين، وفي المشهدِ الثقافيِّ العَرَبي نلاحظ أن كثيرًا من المهتمين بأمرِ العربية يتوجهون بالحفاوةِ والتكريمِ إلى منتجي الأعمال الأدبية بأشكالها كافة، ما جعل أجيالًا من اللغويين الكبار يـُحسنون ولا يكادون يحصلون على القدرِ الكافي من التكريم.

 

واليوم نكرِّم عطاء واحد من أهم رواد العمل المعجمي العربي، العلامة الأستاذ الدكتور أحمد مختار عمر – رحمه الله – الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة – وقد قدم للكمتبةِ العربيةِ الكثير، ونشير هنا إلى كتابه: “علم الدلالة” الذي يعد أشهرها بين المتخصصين، فضلًا عن كتابه: “أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتاب والإذاعيين”، ومًعجَمَيه: “المعجم الموسوعي لألفاظ القرآن الكريم وقراءاته”، و”معجم اللغة العربية المعاصرة”.

 

وتابع: “إن المفكرَ الفلسطينيَّ إدوارد سعيد يقرر أن اللغة تسكن “قلب هويةِ الشعوبِ”، وهويتنا تواجه منذ عقود تحديًا جديدًا يتجاوز الجغرافيا بحدودها وقيودها، وتحديًا معرفيًا نوعيًا وصل إلى منعطف تاريخي يلخصه تعبير: “الذكاء الاصطناعي”.

 

وفي المحصلةِ، فإن أفق صراع الهويات مفتوحٌ على احتمالات كثيرة، واستجابتُنا للتحديات لم تَزَل دون المأمول، وثَروتُنا من المعرفة الناطقة “بلسان عربي مبين” لم تزل تئنُ من وطأة مزاحمة لغات أخرى تحمل هوياتٍ ثقافيةٍ مغايرةٍ، ولهجاتٍ عاميةٍ تطرد العربية الفصحى من منابرَ عديدة، فَتَواصَوا بِالعَرَبيّة … دفاعًا عن هوية تستحق أن نتمسك بشرف الانتماء إليها وأن ننتدب أنفسنا لواجب الدفاع عنها.

زر الذهاب إلى الأعلى