راندا الهادي تكتب: كيف تكون طاردة؟!
عندما قررنا الاختلافَ عن الآخرين والقيامَ برحلةٍ في إجازة الصيف، ليس إلى الساحل الشمالي أو حواضر البحر الأحمر، اخترنا الفيوم، ورغم غرابة الاختيار للبعض نظرًا لاعتبارهم الفيوم مشتى _ وهذا ما لا أجد له مبررًا حتى الآن، وستعرفون لماذا لاحقًا _ ورغم غياب البحر أو النيل عن جغرافيا المحافظة، ورغم قلة المزارات بها، اخترنا الفيوم!!
وقبل البدء في سرد ما أريد قوله لكم في هذا المقال، وجب التنويه أنني لن أحكي عن مغامراتي في الفيوم ولا عن المساحات الشاسعة من الطبيعة الخضراء، وقد لا أذكر روعة الغروب على ضفاف بحيرة قارون، وجمال وبهاء طيورها، كما لن أُضَمِّنَ سطورَ مقالي طعامةَ الفراخ الفيومي، وألذ وجبة سمك أكلتُها من سنوات.
أتعلمون عن ماذا سأحكي في المقال؟ عن طريق بحيرة قارون السياحي _ كما قرأتُ على لافتات الطريق _ الضيق، ورغم ذلك متاح لعبور السيارات بكل أنواعها في الاتجاهين، ولو خالفك الحظ وقُدتَ سيارتَك عليه ليلا، لن تجد عمودًا واحدًا مُضاءً، ليس لندرة أعمدة الإنارة، بل هي موجودة لكنها مُعطلة!! لتجد نفسك كزائرٍ في حيرة من أمرك، كيف يكون طريقًا سياحيًّا ويفتقر لأساسياتٍ ضروريةٍ كتلك؟!
كما تنعدم الخِدمات على الطريق إلا من بعض الجهود الفردية لأكشاك من الخوص يديرها المواطنون بحثا عن سبوبة رزق لأبنائهم، لكن لو أردتَ الاستراحة على الطريق وإشباع حاجاتك البسيطة أثناء السفر فأنت في مأزق!!
ولعل كثيرين سمعوا والقليل منهم زار وادي الريان أحد أشهر المحميات الطبيعية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تستمتع نهارا بمناظر الشلالات والبحيرات العليا والسفلى، وليلا سيُبهرك مشهدُ السماء، حيث ترى نجوم وكواكب درب التبانة بألوانها الساحرة، ولكن للأسف الطريق غاية في المشقة والصعوبة حتى الوصول، لا توجد لافتات إرشادية بالقدر الكافي، خاصةً والطريق مُعبَّد فقط بعد جزء من الأسفلت، فإذا اختل تركيزك أثناء القيادة قد تضيع في دروب الصحراء الشاسعة المحيطة بالمحمية ولن تجد مغيثا !!
كما يغيب عن المحمية أي أماكن مناسبة للراحة من رحلة الوصول المرهقة، سوى بعض البازارات البسيطة التي لا يزيد عددُها عن أصابع اليد الواحدة وصالة تحت الإنشاء لا ترقى أبدًا لمكانة هذه المحمية الطبيعية، كما يغيب الإشراف و الرقابة عن المعالم الطبيعية للمحمية كالشلالات التي تُلقَى بها القُمامة ويتجاوز عليها الزائرون بالنزول لمياهها وتلويثها !!
فالرجاء هنا للجهات المسؤولة في كل مكان: نظرة إلى محافظة الفيوم، المحافظة ذات التاريخ العريق والطبيعة الساحرة، المحافظة التي لا أعرف حتى الآن كيف أنها طاردة للسكان وسط هذه الثروات والموارد المهملة، المحافظة التي تنعم بمسطحات مائية عذبة ومالحة وثروة داجنة تنتظر من يطورها، وتنفرد بصناعة فخار قرية تونس الذي لا يوجد مثيل له، وطالت سمعتُه العالمية. وحتى ينتبه من بيده الأمر، أدعوكم لزيارة الفيوم وحجز ڤيلا أو غُرف فندقية والاستمتاع بالطبيعة الساحرة والهواء النقي والجو المعتدل الذي لن تجده في أي مكان سوى الفيوم.