مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: كالمرة الأولى يا أمي!!

راعني الرقمُ عندما سألني أحدُ معارفي عن عُمر والدتي، كيف لم أنتبه؟!! كيف مرت هذه السنون دون أن ألحظ؟!! أتعلمون لماذا لا ننتبه للعمر مع من نحب؟ لأننا نراهم بقلوبنا وليس كباقي البشر بالعين المجردة من المشاعر والذكريات، من لحظات الفرح والحزن، وأيضا المجردة من شواغل المظهر!!

أمي أراها كما رأيتُها للمرة الأولى، عندما تُوقظنا للمدرسة في صباحاتها الباكرة، في نشاطها المفرط لترتيب البيت وإعدادِه لاستقبال يومٍ جديد، في إيقاظها لنا وغنائِها لي كل صباح: ( يا صباحك صباحين وأنتِ وردة ونور العين، محلاكي يا حلوة يا زين ).

أمي أراها كما هي، في المطبخ تُعِدُّ لنا ما لذَّ وطاب، ما أفقدَنا حتى الآن أيَّ طعمٍ ليس من بنات يديها، نعم… هكذا أراها ، وهكذا نرى كل من نحب حبًّا خالصًا.

أتذكر هنا قولَ أحدهم: (مَن يُحبك لا يراك كما ترى نفسك بالمرآة، بل يراك الأجملَ الأبهى بين الجميع مهما تغيرت ملامحُ وجهِك وخطّت السنون بصماتِها البارزة على أيامك وصورتك، من يحب لا يرى بعينيه بل يحتوي بقلبه).

لذا، اُعذروني؛ فأنا مع أمي لا أعترف بأرقام وحسابات ثقيلة الظل، بل أراها دومًا في الحِضن الدافئ من عذابات العالم، في الخُبز الساخن برائحة ضحكاتها صباحًا، في ملاماتها لي دومًا للفشل في الحصول على أي شيء بالثمن المناسب، كما أراها بجواري – مهما ضُربت أرقام عمري في مضاعفاتها – عند المرض تُعنفني لعدم اهتمامي بصحتي المهدرة.

ما أكثرَ الأفكارَ التي تناثرت في عقلي عندما سُئِلْتُ عن عُمر أمي، وما أعجزني يا أمي عن صياغة كلماتٍ تحتوي ما أشعرُ به وأحفظه بين الضلوع لكِ.
حفظ الله الأحبة، وبارك في أعمارهم، ومتَّعَنا معهم بنظرةٍ لا تتغير مهما تغيَّرْنا بفِعْلِ الزمن.

زر الذهاب إلى الأعلى