راندا الهادي تكتب: حوار الطرشان!!
الأطرش يختلف عن الأصم، فالأطرش يسمع قليلا، والأصم لا يسمع أبدًا!! وجاء في معجم المحيط أن الطرَش هو أهونُ الصمم، ولأن الأطرشَ لا يسمع الكلامَ كاملا أو واضحا، لذا يسعى إلى تقدير ما لم يسمعه، فيأتي رده على الطرف الآخر ليس من خلال ما قاله، بل استنادا إلى تقدير ما لم يسمعه، وهكذا يتحول الحوار إلى حوار عقيم يستحيل فيه الوصولُ إلى نتيجة!!
لماذا الحديث عن حوار الطرشان؟! وكيف لا نتحدث وقد أصبح سمةً مُميزةً لكل حواراتنا؟! نحن نتحاور لنفرضَ وجهةَ نظرنا لا لنعرضَها وليس للاستماع لرأي الآخر أو تبادلِ الأفكار والوصولِ لأفضل الحلول، لا أبدًا.
وتعال هنا نستحضر أيَّ نقاشٍ دارَ بينك وبين والديك أو بينك وبين زوجتك أو مع مديرك والمحيطين بك، ستجد أنها حواراتُ طرشان!! كلٌّ يستمعُ لرأيه فقط وينتظرُ حديثَ الطرف الآخر ليُقاطعَه أو يُفندَه، وفي الغالب لا يُكمل الإنصات، لأنه من البداية على يقين بأن الحقَّ معه.
فأنا أفهمُ مجريات العصر أكثر من والدي، هو في كوكب آخر، من جيل قديم لن يفهم ما أريده، و إن كنتُ من الوالدين فابنتي أو ابني كيف له بوجهة نظر ورأي وهو لم يخرج من البيضة بعد، وهو صفر الخبرات، لم يدخل في معترك الحياة، المعلمِ الأول؟!
وفي البيت، كيف أمشي برأي زوجتي أو أستمع له ، ألستُ رجلا؟ ( شورة المرة ترجع ميه سنة لورا )، و ( المركب اللي لها ريسين تغرق )، وللعلم، أي سفينة لها طاقم، كلٌ مسئول عن وظيفةٍ حيوية!!
وفي المقابل ترى الزوجةُ أنها صاحبة القرار الأول والأخير في بيتها، ( الرجل يدفع وبس ) !! أما لو كان دخلها المادي أعلى من دخل الزوج، متضخمًا عنه، إذن فهي صاحبة اليد العليا في أي نقاش!!
في العمل، أنا المدير، إذن أنا الأجدر بحسم أي قرار دون نقاش، أنا المسئول لا صوت يعلو فوق صوتي، أي نقاش يا جهلة تتحدثون عنه؟! إن نجاح هذا المكان _ وطبعا النجاح هو فقط من يراه _ بسبب كوني مازلت أتنفس بينكم!!
قس على ذلك: اجتماعات مجلس إدارة أي مؤسسة أو حتى عمارة، حتى جدالنا مع بائعي الخضار وسائقي التاكسي، لا عقلانية، لا منطقية، لا حوار سوى للطرشان!! وكما قال الكاتب الكبير ( أحمد بهجت ) _ ولكن بتصرف _: ( هذا المقال ليس إلا محاولة بائسة للتلويح والصراخ أمام ما نتصور أنه سفينة مارة، بينما هو في حقيقة الأمر سراب مائي، وسيبقى لنا من الحوار مع السراب صمت عظيم ).