مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: جلسَ ولم يتمكن!!

مرت سنوات ولم أقضِ العيدَ مع والدتي، كنتُ غالبًا ما أذهبَ إليها بعد العيد بسبب طبيعة عملي التي لا تعترف بالإجازات الرسمية، غير أن فضلَ الله ونعمتَه عليَّ قدَّرتْ لي قضاءَ أولِ وثاني أيام العيد معها.

اللطيف هو اجتماعي بأقرباء والدتي بعد غيابٍ دام سنوات – حيث إنني مغتربة عن محافظتي الدقهلية – ولا تجمعنا سوى المناسبات الرسمية.

كانت الأمسية ثاني أيام العيد حيث زارنا خالي الحبيب (عبد الناصر) برفقة أبنائه، ودار الحديث _ بوجود والدتي وإخوتي _ عن ذكريات خالي في اليمن الشقيق، (أعاده الله إلى سابق عهده يمنًا سعيدًا) حيث عمل به في شبابه المبكر بعد تخرجه في كلية التربية الرياضية بقليل.

لن أطيل عليكم، أثناء حديث خالي الشيِّق المضفر بخفة الظل والمواقف الطريفة، ذكر أنه فور وصوله اليمن وقبل توزيعه على منطقة العمل كان مقررا أن يعمل في صنعاء العاصمة أو أي من مدن الشمال اليمني، لكنه تفاجأ بقرار لجنة التوزيع إرسالَه إلى حضرموت في الجنوب، ونظرا لتوقعه – كما قال – أنها منطقة أقل تمدنًا من الشمال أبدى اعتراضه، كيف وهو الحاصل على بكالوريوس يتم مساواته بمن (جلس ولم يتمكن)؟!

وبشكل عفوي انفجرنا جميعًا في الضحك الهستيري، بسبب جملة ( جلس ولم يتمكن)، وكل واحد من الجالسين أدلى بدلوه أمام خالي عن معنى العبارة، معتقدين أنها من نسج خياله الساخر، لكن المفاجأة كانت ما أجابنا به، حيث أكد أن هذه العبارة كانت تشير إلى إخواننا السودانيين الذين لم يكملوا مرحلةَ التعليم الأساسي وقتها!!

لكن رغم انتهاء زيارة خالي وعودتي إلى القاهرة، ظلت العبارة لا تفارق بالي (جلس ولم يتمكن) ، متسائِلةً: كم واحدٍ منا جلس ولم يتمكن!! كم متعلمٍ جلس في مصاف طالبي العلم ولم يتمكن من تأدية رسالته وفق تخصصه!! كم عالِمِ دين جلس على منبر ولم يتمكن من خدمة الإسلام بل أساء إليه!! كم إعلاميٍّ جلس أمام الميكروفون ولم يتمكن من إدراك مسئوليته وجسامتها في زيادة وعي الجمهور وإثراء ثقافته!! كم مسئولٍ جلس في منصبه ولم يتمكن من مجرد فهم مسئولياته فضلًا عن القيام بها!!

لو أحصينا مَن (جلس ولم يتمكن) لن ننتهي؛ فالقائمة طويلة جدا، و (العدد في اللمون) كما نقول، جعلنا الله وإياكم ممن (جلسوا وتمكنوا).

زر الذهاب إلى الأعلى