راندا الهادي تكتب: (المروحة بتجيب هوا سُخن)!!
بإحدى المرات النادرة التي ركِبَتْ فيها ابنتي المترو معي، ومع شمس يوليو الحارقة ورطوبةِ العاصمة _ التي لا تعرف لها صاحبًا يَسأل عنها _!! أخرجت (ديمة) من حقيبتها مروحةً صغيرة لليد لعل نسماتِها تخفف عنها بعضَ قساوة هذا الطقس، لكن بعد لفّتين ونظرةٍ منها، مالت عليَّ لتُخبرني أن المروحة هواؤها ساخن، وبطبيعة الحال أجبتُها: (هي هتجيب هواء بارد منين)؟!! وظيفتُها ببساطة تحريكُ الهواء الموجود.
لماذا أحكي هذا الموقف رغم تكراره مع الكثير منكم وعدم انطوائه على أي جديد؟! لسببٍ بسيط أنني أراه مدخلا سلِسًا لما سأحدثكم عنه في هذه المرة، (العشم) الذي إن لم يكن في محلِّه ستتلوه خيباتٌ قد يَكْسِرُ بعضُها الظهر، خاصة في وقتنا الحالي مع الظروف الصعبة التي يمر بها أغلبنا!!
دعونا نبدأ بمعرفة معنى كلمة (عشم) في اللغة، خاصة إذا كنتم مثلي تعتقدون أنها عامية وليست ذات أصل في اللغة العربية، وهي عكسُ ذلك؛ فالفعل من (العَشَم) عشِمَ، وتعني أمَّلَ أو طمِع في شخص، وغالبًا ما يكون من باب الحبّ وحُسْن الظَّنّ ( نتطلّع بعشم إلى عقد ملتقى أوسع _ طَلَبَ منه بعشم أن يَقرضَه بعضَ المال ).
وبسبب هذا العشم كثيرا ما أجد علاماتِ التعجب والصدمة على وجهِ البعض من سلوك وتصرفِ شخصٍ ما نعرفه في موقفٍ مُحدد، وتساؤلات على شاكلة: كيف فعل هذا؟! لقد صُدِمنا فيه!! ولا أجد غيرَ مقولةٍ واحدة أُطَيِّبُ بها خاطرَهم ليستوعبوا ما يحدث: وماذا كنتم تنتظرون من شخص مثله بهذا التاريخ؟!! بالضبط كالمروحة، مِن أين له أن يأتي بالجدعنة والشهامة مع تاريخٍ من الخذلان لكل المحيطين؟! من أين له أن يأتي بالصدق والأمانة مع مواقفَ لا تُعد كلها تزوير ونفاق؟! فكلُّ إناءٍ ينضح بما فيه أيها السادة.
لذا تحققوا جيدًا من منابع العشم ومبرراته، وأرجِعوا البصرَ كَرَّةً أو كَرَّتين؛ حتى لا تُصابوا بالحسرة والخذلان، وبنفس القدر من الحرص، حافِظوا على مَن كانوا محلًّا للعشم؛ ردًّا للجميل من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى ليكونوا سندًا لكم في الأيام القادمة. لا خابَ لي ولكم عشمٌ أبدًا… (قولوا آمين).