مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب : التاريخ .. بلا تاريخ

0:00

لطالما وقفت كثيرًا عند مادة التاريخ وأنا في سنوات عمري الأولى بالدراسة ، وتساءلت كثيرًا من يكتب التاريخ ؟ ، ومن يعطي الأمر لهذا المؤرخ بأن يُدوِّن هذه الأحداث أو تلك دون غيرها لتكون تاريخًا للأجيال القادمة؟، وهل هناك رقيب على المؤرخين لأنهم بشر في النهاية ؟ وكيف نقرر أن هذا تاريخنا بعد هذه الانتقائية وغياب الشفافية؟

هيرودوت (أبو التاريخ )-كما أسماه علماء الأنثروبولوچيا -كان ينطلق في حَكْيه من الأحداث التي كانت بداية (اختلال التوازن الإنساني) ؛ فمن هذا الخلل الذي يُصيب النظام المعتاد تنشأ الأحداثُ الكِبار، فالرتابة لا تستحقُ التدوين ؛ لكن إختلال التوازن يطلق أحداثًا تستحق التدوين والسرد، وهذا هو مبتدأ التاريخ.
ورغم انحياز هيرودوت إلى الحضارة اليونانية القديمة -وهو أحد أبنائها – يرى المتخصصون تميز كتاباته الأولى في التاريخ ؛لاعتماد أغلبها على المشاهدة عبر الترحال .
وفي العصر الإسلامي بدأ تدوين التاريخ بشكل متأخر في نهاية العصر العباسي ، وفي الغالب كُتب التاريخ كانت سردًا لسير الأمم والملوك ، ماعدا كتاب البداية والنهاية ل ابن خلدون الذي يعده علماء الغرب نهجًا فريدا يضع ابن خلدون في مصاف عباقرة الفكر الإجتماعي وأبًا للتاريخ قبل هيرودوت.

وبين هذا وذاك قرأت تعليقًا لأحدهم أعجبني وأعادني لتساؤلاتي المبكرة ، حيث ذكر مشاهدته لواقعة بأم عينيه وسماعها بأكثر من عشر روايات من أناس يعرفهم ، ليتساءل بعدها عن مصداقية كل ما هو تاريخي ، خاصة وأن حادثة عادية تشوه نقلها للغير بهذا الشكل ، فما بالك بالأحداث الجسام وسِير من بيدهم الأمر .

من هنا اعتقد أنه من الضروري عدم تصديق كل ما يُقال أو يُنقل إليك كتاريخ لحقبة ما ، وضرورة الرجوع للمصادر غير الرسمية ولعل أفضلها الكتابات الأدبية أو الأدب الشعبي حيث يتمتع كاتبها ببعض الحرية في ظل كون ما يكتبه خيال مبدع لا توثيق ، ولنرفع شعار (أنا أشك إذن أنا موجود ) للفيلسوف الفرنسي ديكارت ، ولكن بشيء من الاتزان حتى لا نفقد الثقة في كل ما قيل أو كُتب يومًا ما.

زر الذهاب إلى الأعلى