مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: (البوكو و الشوافين)!!

كنت أتحاور في إحدى المرات مع زميل لي براديو مصر من مركز الأخبار عن مأساة إخواننا في السودان، هذا الشعب الطيب الودود الهادئ، الذي نضرب به الأمثال في الرقي والرواق وسلامة الداخل، فقال لي قولا لا يزال عالقا في ذهني حتى اللحظة: المشكلة أن السودان دخل حربا بإرادته الحرة، ليس دفاعا عن بلده ضد عدوان خارجي أو داخلي وإنما صراعٌ على الكراسي والسلطة.

ثمن رخيص دفعه ويدفعه السودانيون من أرواحهم لإشباع مصالح شخصية متدنية لأناس وصلوا إلى درجة من الجهل والتعنت بأن ضحَّوا بوطنهم واستقراره ومستقبله لتدميره ونشر الفساد والتشرذم بجنباته.

بدايةٌ كان لا بد منها؛ تنفيثًا عن الغضب الذي يملأ صدورنا من وضع السودان وتداعيات الصراع به، وكأي أزمة أو غمة تواجهها الشعوب تطرأ دوما على الألسن مصطلحاتٌ ذات خصوصية بتلك الكارثة، ولعلكم تتذكرون بعد ثورة (25 يناير) كلماتٍ مثل ( مليونية – إضراب – الطرف الثالث – …..)، وكذلك في السودان الشقيق ظهرت مفردات مثل (البوكو والشوافين).

أولا: من هم (البوكو)؟ لقب (البوكو) كان يُطلق في الأصل على السيارات التي كانت تدخل السودان خلال السنوات الأخيرة عن طريق التهريب، ولا تكون مصحوبة بأوراق رسمية، وكان يتم ترخيص بعضها بعد إجراءات معقدة تتضمن التأكد من مصدرها عبر (الإنتربول)، أما الآن يستخدمه السودانيون للإشارة إلى المواليد الجدد الذين وُلِدوا بلا أوراق رسمية، وبطرق بدائية في المنازل بواسطة القابلات – وهو ما كان مُجَرَّمًا في الظروف العادية – ولكنّ صعوبة الوصول إلى المستشفيات التي خرج نحوُ (70 ٪؜) منها من الخدمة بسبب القصف المستمر، زاد من أعداد أطفال (البوكو).

إذن من هم (الشوافين)؟! هم أشخاص يَعرضون أرقامَ هواتفهم في وسائل التواصل الاجتماعي بهدف تقديم خدمة الذهاب إلى البيوت المهجورة في مناطق الصراع بالعاصمة الخرطوم؛ لجلب أغراض محددة لصاحب المنزل الفارّ من القتال، أو مراقبة المنزل وإعلام صاحبه بحاله.

ولا يخفى على أحد قدرُ المُخاطرة التي تشوب حياةَ العاملين بتلك المهنة، لكنَّ توقفَ الحياة في السودان وتقطعَ سُبُلِ العيش لهؤلاء الأفراد دَفَعَهم لتقديم هذه الخدمة بمقابلٍ مادي يُعينهم على إعانة أسرهم، خاصةً مع عدم قدرتهم المادية على مغادرة البلاد والفرار من ويلات الصراع.

وفي العادة يمارس هذه المهنة الجديدة سائقو (التوك توك) أو عُمَّال الصيانة المعروفين منذ سنوات لسكان الأحياء، حيث تتوافر الثقةُ بين الطرفين في معظم الأحيان.

وما بين أطفال (البوكو والشوافين) نرى سودانًا يتألم من جهلِ وأنانيةِ حُكّامِه، سودانًا يتمزق بيدِ مَن يُسَمُّون أنفسَهم أبناءَه وهم بالحقيقة ألدُّ الخصوم!!

زر الذهاب إلى الأعلى