مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب : احتكار أم احتقار؟!!

يمكن أول مرة سمعنا فيها كلمة احتكار كان في السنوات الأولى من مرحلة التعليم الإبتدائي ، عندما درسنا تاريخ قيام دولة محمد علي في مصر ، حيث احتكار السلطة والأراضي الزراعية والصناعات المختلفة ، وكم يحمل هذا الاحتكار من معاني الاحتقار ( بالقاف)لحقوق المواطن المصري في امتلاك ثروات بلاده واقتصار دوره كأجير في وطنه ، الاحتكار سياسة محرمة وفقا للأديان السماوية وكذلك القوانين الوضعية التي نشأت على أساسها المجتمعات .

واليوم كل ما في العالم يرسخ للاحتكار ، احتكار المعرفة ، احتكار الدواء ، احتكار الصناعة واحتكار التكنولوجيا ، والتحكم في كل ما يمكن توجيهه كمًا وكيفًا للجمهور .

منذ عامٍ وأكثر أثناء جمع معلومات لأحد البرامج التي قدمتها قابلتني معلومة غاية في الأهمية عن تصرف شركة عالمية مصنعة للسيارات كان مضادًا لمنطق الاحتكار .
الشركة هي فولڤو لصناعة السيارات ، ففي عام 1959 قام مهندس شركة فولفو (نيلس بوهلين) بإختراع حزام الأمان الثلاثي, حيث كان حزام الأمان قبل ذلك ذا نقطتين و الذي كان في الحوادث يضر أكثر مما ينفع.
ولكن ما يهمنا هنا أن سبب الانتشار الواسع لهذا التصميم الذي قدمته شركة فولفو هو تخليها عن براءة اختراعه، مؤكدةً أن تخليها سيكون له فائدة كبيرة في حماية أرواح الناس وهو أكثر أهمية من الربح .

تخيل معي أيها القاريء الأرباح اللامحدودة التي كانت ستجنيها شركة فولڤو لو ظلت محتكرة لهذه التقنية التي اعتمدها المجتمع الدولي كعنصر أساسي من اشتراطات الأمان في أي سيارة يتم تصنيعها على مستوى العالم ، وتخيل لو لم تتنازل عنها ، دعني أُطْلِعك على الإجابة .

بناءً على الإحصائيات الأخيرة التي أُطلقت بمناسبة الذكرى ال50 لاختراع حزام الأمان ثلاثي النقاط، حافظت تلك التقنية على ملايين الأرواح ، ووفرت الحماية من الكثير من الإصابات الخطيرة. حيث قام حزام الأمان بتقليل نسبة الإصابة أو الوفاة بمعدل 50% منذ اختراعه ، لذا يُعتبر هذا الاختراع الأول في السلامة في تاريخ السيارات.

هذا الدرس الذي قدمته ڤولڤو للإنسانية ولأصحاب رؤوس الأموال تزدادُ أهميةُ ذِكره هذه الأيام ، حيث تغيب الإنسانية عن المشهد ، ويتراجع التفكير في المصلحة العامة، بل يختفي ، والذي يتصدر المشهد حاليًا المحتكرون الجدد رافعو شعار ( أنا ومن ورائي الطوفان) .

زر الذهاب إلى الأعلى