مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب : (أن تفهم ).. مصيبةٌ

لا جدالٌ حول كون الجهل راحةً ، خاصة في وقت تثير المعرفة فيه الكثيرَ من الآلام والضغوط في نفوس العقلاء . أما من قال : أصحاب العقول في راحة ، بالتأكيد كان يتحدث عن زمانٍ غير زماننا . زمانٌ كان إدراكُ الإنسان فيه للحقيقة والإلمام بها أمرًا مطلوبًا ليتخذ القرار والتصرف الصائب ، أما الآن أمست المعرفة كابوسًا ، يطاردك في كل مكان ، والسبب أنه ليس لك من الأمر شيء فلا تملك آلية التصرف ولا حق الاعتراض .

مقدمةٌ كان لابُد منها تمهيدًا لحالنا هذه الأيام ، خاصة عندما لجأت لي إحدى الصديقات العزيزات لتأخذ رأيي في مستقبل ابنتها التعليمي ، هل تفعل كما يفعل الجميع مع دخول المرحلة الثانوية وتوفر فلوس التعليم الخاص الباهظة للدروس الخصوصية وتسجلها بمدرسةٍ حكوميةٍ ؟ ، أم تبيع هنا وتستدين من هناك لتدخلها ثانوية بريطانية أو أمريكية وتنجو بنفسها وابنتها من مفرمة الثانوية العامة في بلادنا ؟

في الحقيقة لم أجد عندي الإجابة على سؤالها،لأني أعلم -تمامَ العِلم – صعوبة الخيارين على كاهل صديقتي وأسرتها ، وضبابية المستقبل التعليمي في مصر للدرجة التي دفعت المواطن للتساؤل عن الأفضل لأبنائه ،هذا إلى جانب التخبط الواضح في القرارات الصادرة عن المنظومة التعليمية.
لاشك أن الوزير الأسبق الدكتور طارق شوقي وفريقه زرعوا نبتة خضراء – وأقصد هنا المناهج التعليمية الجديدة – وسط أرض قاحلة خربة تعاني من مافيا الدروس الخصوصية ، وغياب المدرسين المؤهلين، وهجرة الطلاب للمدارس ، وثانوية عامة مفخخة ، وعام دراسي متقزم لا يكفل للطالب الإلمام بالمنهج فقط ، وليس الفهم ؟!! ، مما كفل احتضار النبتة قبل أن ترى الشمس .
لماذا دوما نهرع للتغيير قبل دراسة الوضع القائم والأسباب التي دفعت له؟ ، لماذا نبادر بإعطاء الدواء قبل تشخيص المرض؟ .أتعلمون لماذا ؟ لأن الكل يريد إثبات بصمته ووصفه بالريادة لضمان الكرسي ، رغم أن أبواقنا الإعلامية تقوم بذلك الدور على أفضل وجه .

ألم أقل لكم (أن تفهم) وتفكر في بلادنا تلك مصيبةٌ، ولكن لا عليكم مازال يحدونا الأمل في أن يخرج علينا أحدهم ليخبرنا ماذا نفعل بأولادنا ؟ كيف نثق في واضعي السياسات التعليمية ؟ متى ننظر للتعليم في بلادنا باحترام كمنظومة مشرفة؟ أخبرونا عن الخبرات التي تدير منظومة التعليم وخططها لمعالجة القصور في آليات عمل من سبقوها ؟
وعلاج الوضع القائم ؟ وبالمرة أجيبوا على سؤال صديقتي ماذا تفعل مع ابنتها ؟

زر الذهاب إلى الأعلى