صدقا لا أعرف بدايةً حقيقية لهذه العادة المتأصلة عند المصريين، ولولا أنني اعتدتُ على التفكير وعدم قَبول الأمر الواقع حتى في أبسط الأمور، ما لاحظتُ غَرابةَ هذه العادة التي انتشرتْ كالنار في الهشيم، خاصةً في الطبقات الوسطى المنقرضة لأسبابٍ عديدةٍ حاليا!
لن أطيل عليكم، ما أقصده هو عادة تغطية أي شيء وكل شيء عندنا _ نحن المصريين _، تغطية (الأنتريه والصالون، التلفزيون والغسالة والميكروويف)، وحتى الهاتف المحمول! ثم امتدتْ هذه العادة كالوباء إلى الشوارع ووسائل النقل عامة وخاصة، وبالأمثلة تتضح الرؤى، لذا سأحكي لكم هذه التجربة الشخصية، منذ سنوات قليلة قدمتِ اليابان عددًا من (أتوبيسات) النقل العام منحةً للشعب المصري، وقُدر لي أن أركب أحدها من ميدان عبد المنعم رياض، لكنها المفاجأة التي ألجمتني، فعند صعودي (الأتوبيس) شعرتُ أنني دخلتُ لصالون عمتي! الكراسي مغطاة بقطع القماش الملونة، والتابلوه كذلك، وعندما سألتُ السائق: من صاحب هذه الفكرة الألمعية؟! تباهى بأنه صاحبها لإضفاء الروح والحياة على (الأتوبيس )!
ومع تكراري لسؤال المحيطين عن سبب هذه العادة، وجدتُ فئةً أخرى ترى أنه ضرورة للحفاظ على ما يملكونه _ أيًا كان _ نظيفا وجديدا، هنا تستفزني فكرة متى إذن نتنعم بما نمتلك؟ عندما نغطي (الأنتريه) أو (الصالون)؟ عندما ندفع الآلافَ لعمل فرش للسيارة المجهزة بالأساس!! وعندما، وعندما!!
ما لفت انتباهي أنه عند مشاهدتي بعضَ الأعمال الدرامية التركية وجدتُهم في الطبقات المتوسطة يفعلون نفسَ الأمر داخل بيوتهم، فتساءلتُ: هل من الممكن أن نكون قد ورثنا هذه العادة من الأتراك الذين حكموا البلاد لأكثر من ٣٠٠ عام؟!
لكن ظل السؤالُ معلقا لا يجد إجابة، لعدم وجود بحث أو دراسة لتلك الرغبة المحمومة عند ست البيت المصرية في تغطية أي شيء وكل شيء، لدرجة استغل معها التجار هذه الرغبة وقاموا بالتجويد والابتكار، فاذا بأحدهم يطرق بابي يومًا ما ليعرض عليّ غطاءً لعدّاد الغاز الموجود عندي بالشقة!! ما هذه الدماغ التي وصلت لتصنيع غطاء لعدّاد الغاز – والذي يعد كارثة وإلا كانت شركةُ الغاز قامت بتوزيعه – والاطمئنان لنجاح تسويقه؟! لكن رغم رفضي الشراء أعلم بل أثق من أن ٩٠٪ من البيوت المصرية اِقتنتْ هذا المنتج.
وكما تعلمون أو لا تعلمون، فالذي يحدث هو ثراءٌ لتجار المفارش على اختلاف أنواعها، وحرمان للمواطن من التمتع بالنعم التي منحه الله إياها، لذا كفانا أغطية، استمتعوا بما تمتلكون ودعوا السنين تترك أثرَها عليه، لأن هذه الآثار هي ذكرياتكم، ضحكاتكم، جلسات المحبة وبصماتكم الخاصة في الحياة.