راندا الهادي تكتب : أجيب منين سمك ؟!!
أنا من أسرة تنتمي للطبقة الوسطي – لنقرأ لها الفاتحة جميعًا- ومن محافظة الدقهلية التي تتمتع بإطلالة على واحدة من أكبر البحيرات الطبيعية الداخلية في مصر وهي بحيرة المنزلة ، ونتيجة لهذه المعطيات ولأسباب أخرى وُلدت مع عشقٍ للأسماك ، حيث كان لا يخلو غداؤنا من السمك لثلاثة أو أربعة أيام في الأسبوع الواحد ، وكان الاختيار محدودًا وقتها ما بين ثلاثة إلى أربعة أصناف من السمك ، كانت والدتي تتفنن في تقديمها لنا بأشكال مختلفة ، ما بين مشوي ومقلي وصواني وفرن ، لتجذب الرائحة الشهية أنوفنا من أول الشارع .
واستمر هذا الحب الدفين معي لدرجة أنني عندما قُدِرَ لي وسافرت بعد زواجي لدولة الإمارات ، كان أول مكان بحثت عنه هو سوق السمك ويُسمى هناك ال(شبرا) بفتح الشين ، وكان الشبرا من أسباب سعادتي بالإقامة في دولة الإمارات ، حيث يقع سوق السمك هناك على ضفاف الخليج ، فتداعب رائحة البحر ونسائمه النقية المنعشة وجوهنا مع شروق الشمس ، الوقت الأمثل لشراء السمك بالنسبة للمواطنين الإماراتيين ، حيث تُعقد المزادات على حمولة كل مركب من طَرّح البحر ، ويشارك معهم أصحاب محلات بيع الأسماك ، وباعتباري مذيعة كنت اتمنى تصوير هذا المشهد البديع لشعيرة من شعائر هذا البلد العربي ، والتي رسمت بدقة إحدى ملامح شخصيتهم الكريمة المعطاءة .
وبعد عودتي إلى مصر ظلت الأمور مستقرة في أسعار الأسماك مع ارتفاعات طفيفة من حين لآخر ، يتقبلها المواطن بتأفف مع جملة ( إزاي بلد فيها بحرين وأطول نهر بالعالم وبحيرات طبيعية وصناعية ،والسمك فيها غالي كده؟!!!) ، حتى عام ٢٠٢٢ وبداية الأزمة الإقتصادية العالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية ، متلازمةً في مصر مع أزمات وتحديات داخلية ، جعلت بين ليلة وضحاها سعر كيلو السمك البلطي يقفز من خمسة وعشرين أو ثلاثين جنيهًا إلى سبعين أو ثمانين جنيهًا، والذي يعد من أرخص أنواع السمك في القطر المصري ، فما بالك بالأنواع الأخرى .
ورغم مساعي الحكومة -عبر مناهج الدراسات الإجتماعية والتصريحات الرسمية هنا وهناك – ، لتبرير هذه الأزمة في أسعار الأسماك بالأسواق ، لم أستطع أنا وغيري من إيجاد تفسير منطقي لكون الدولة الأولى إفريقيا والسادسة عالميا في الاستزراع السمكي يعاني فيها المواطن الأَمَرّين لشراء وجبة سمك لعائلته يومًا واحدًا في الأسبوع . لذا أتوجه للمسئولين المدركين لمسئولياتهم بهذا السؤال : أجيب منين سمك؟!!!.
