مقالات الرأى

رأفت السويركي يكتب: “نخبة الأبواق التافهة” ترقص بإيقاع طبول قوائم الإرهاب المتأخونة!!

صار فضاء وسائط التواصل الاجتماعوي(فيسبوك وتويترX) كالبحر المتلاطم؛ بالموج المضطرم رفضاً وتشهيراً بالتوجه الأخير الذي أعلنت عنه “النيابة العامة المصرية” في بيانها محدد العبارات والبنود والمعطيات والمستهدف بـ: “رفع أسماء 716 شخصاً من قوائم الإرهاب والكيانات الإرهابية دفعة واحدة، بعدما أثبتت تحريات الجهات الأمنية توقفهم عن ـ ممارسة الأنشطة غير المشروعة ـ ضد الدولة ومؤسساتها”.
*****
وفي حسابها الرسمي على “فيسبوك” ذكرت: أنه “في إطار توجه الدولة بمراجعة موقف المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابين، كلفت النيابة العامة، الجهات الأمنية بإجراء التحريات للوقوف على مدى استمرار نشاط كافة المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، تمهيدًا لرفع كل من يثبت توقف نشاطه الإرهابي، من تلك القوائم”.
وأضافت: “ونفاذًا لذلك، أسفرت تحريات الجهات الأمنية، عن توقف 716 شخصًا من المُدرجين على تلك القوائم عن أنشطتهم غير المشروعة ضد الدولة ومؤسساتها؛ ومن ثم قام النائب العام بعرض الأمر على محكمة الجنايات منعقدة في غرفة المشورة، التي أجابت النيابة العامة إلى طلبها برفع أسماء الأشخاص المُشار إليهم، من تلك القوائم”. و”تنوه النيابة العامة، بأنه جارٍ مراجعة موقف باقي المدرجين على تلك القوائم؛ وذلك تمهيدًا لرفع من يثبت توقف نشاطه”.
لذلك فموضوعة “قوائم الإرهاب” تُعدُّ من قبيل الإجراءات الحمائية للأمن الوطني، وهي أسلوب مستخدم ومحكوم بالقوانين التي لا تتصادم مع القوانين الدولية؛ حيث يُعدُّ الإدراج في القوائم إجراءاً تُحدد فعله القوانين المستقرة للدول والمؤسسات الدولية؛ كما في حالة مجلس الأمن الدولي وكذلك الولايات المتحدة الأميركية. وهي جهات تقوم أيضاً بالمراجعات وفق كل فترة زمنية محددة؛ وأيضاً قد تعدلها وفق المستجدات.
وبذلك فعملية الرفع من القوائم ليست عشوائية أو تخضع للمزاجيات؛ وإنما تنبني على متابعة وتحليل ومعلومات حالة المدرجين في القوائم؛ وما إذا صاروا لا يمثلون مصدراً لفعل الخطر بانتفاء أسباب الإدراج السابقة.
******
وإذا كانت ردود أفعال قُطعان “جماعة حسن الساعاتي البنَّاء” تعبر عن وظيفتها المقولبة في التضاد المطلق مع النظام الراهن، مهما فعل من مسلكيات وحقق من منجزات؛ فإن موقف العديد من “النخب الأخرى” التي تصطف كثيراً في مربعات دعم النظام الراهن من منطلق الحرص على سلامة كينونة الوطن /الدولة المصرية كان موقفاً مثيراً للعجب العُجاب؛ وداعياً إلى التوقف المندهش أمامها.
ومن دون شك فإن موقف هذه النخب يكشف مدى هشاشة مشاعرها؛ بل وارتباكها البنيوي في فهم حركة الأمور وسياقاتها والمحرك لألياتها؛ ما يدعو للتساؤل حول هذه النخبة: كيف تثقون في مسلكيات النظام ولا تقبلون بأية خطوات يُعلن عنها وهو لم يتجاوز الأهداف الوطنية الحاكمة؟
ولولا الإحراجات والخجل من تلك النخب؛ التي أقدر بعضها وأحترمها لقمت بإخضاع تدوينات مواقفها للتفكيك؛ لكشف مدى العوار الذي تبدَّى في خطابها؛ إذ أن مواقفها التي أشهرتها تصيب بالحيرة لما تقوله؛ حيث تَغيْب عنها أوليات تحليل الخطاب؛ ما يكشف فشلها في القراءة المدركة للمتغيرات، فتبدو بطريقتها أقرب للشعبوية في الانفعال وردود الأفعال.
المؤسف أن هذه النخب مع تدنِّي ثقافتها القانونية، لا تعرف أن رفع إسم الشخص من قوائم الإرهاب لا يعني براءته من الإرهاب، الذي كان جريرة محل الشبهة بوضعه في موقع الاتهام؛ وهو ما تسبب في إدراج اسمه بالقوائم؛ لتقييد حركته داخلياً أو خارجياً حسب الاتفاقات بين الدول؛ فضلاً عن أنه لو كان الشخص قد صدر بحقه الحكم بالسجن، فلن يسقط الحكم عنه إلاّ بالموت؛ وبذلك فعملية القبض عليه تضعه تحت وضع تنفيذه.
أمَّا إذا أثبتت التحريات توقف الشخص الموضوع في القوائم عن دعم الإرهاب، فيكون المقابل تحريره من ربقة الاتهام ليكون حافزاً لتشجيع من هم محل الشبهة.
******
إن كل تلك النخب تتناسى أن الدولة المصرية تديرها مؤسسات عميقة متعددة وليست منفردة؛ وكل مؤسسة منها لها حقلها العملياتي الذي تمتلك الأدوات المناسبة للتعامل معه بحثاً ودراسة؛ وتقديم التحليل المناسب لاتخاذ القرار النابع من حفظ المصلحة الوطنية.
وكل تلك النخب تتجاهل أن أيَّ قرار يجري اتخاذه يأتي نتيجة فعل السيناريوهات المقررة للحفاظ على سلامة الدولة وأمن الوطن. وكل تلك النخب لا تتذكر أن مستويات الجهات المرجعية تجعلها تعمل على تصعيد النتائج المتوصل إليها من مستواها للمستوى الأعلى فالأرفع؛ وصولا إلى المستوى الرئاسي؛ وكلها محكومة بما يقرره الدستور وأحكامه منعاً للطعن به ومخالفته. وكذلك تأتي تعبيراً عن مدى حرفيتها والنجاح العملياتي الذي حققته الأجهزة المسؤولة عن الأمن الوطني.
*****
والمريب في الأمر أن هذه النخب لم تلتفت إلى منطوق “بيان النيابة العامة” المحكم في قانونيته؛ وقفزت لموضوعه مباشرة من دون أن تجهد ذاتها في البحث المعلوماتي المفترض من نخب بعضها موصوف بالأكاديموية والثقافة المتنوعة، والإدراك السياسوي الرزين وليس الانفعالي. لكنها في حالة قوائم الإرهاب كشفت عن شعبويتها الفجة؛ وأيضاً بُوْقِيَّتِهَا (من البوق) وهي تنظر للأمر:
– عناصر من “النخبة البُوْقِيَّة” تلك تنتقد تعبير “في إطار توجه الدولة بمراجعة موقف المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين”؛ وكأن نظام هذه الدولة ليس القائد والحكم الذي يدير كافة الأمور وفق مرجعية الدستور. وهذا القول يعكس مشاعر الحقد منها تجاه السلطة المسؤولة عن سلامة الوطن بأبنيتها المتعددة (الجيش والشرطة والقضاء).

– عناصر “النخبة البُوْقِيَّة” تُعمِّق الإيحاء بأن النيابة العامة صارت مرهونة للسلطة التنفيذية؛ وتلك مُخَاتَلة مقيتة لأن “النيابة العامة” في حقيقتها تعمل وفق مرجعيات قانونية، تبني عليها قائمة الاتهامات الموجهة للمتهم؛ وتدرك أن “سلطة القضاء” سترفض ما هو غير قانوني أو متهافت الدليل. وما فعلته “محكمة الجنايات” يعكس تطورات “قضية تمويل جماعة الإخوان المسلمين”، التي أُعيد طرحها بعد أكثر من عشر سنوات على فتحها في العام 2014م. وعادت القضية إلى الساحة بعد أن ألغت “محكمة النقض” في مايو/آيار الماضي إدراج جميع المتهمين فيها على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.

– “خالد علي” المحامي المتخصص في قضايا الدفاع عن هذه النوعية من المتهمين؛ يشير إلى أنه “تقدم بطعن أمام محكمة النقض، والتي ألغت قرار الإدراج وأحالت القضية لدائرة محكمة جنايات جديدة للنظر فيها، ـ وكما يقول ـ بناء على ما قدمناه من دلائل لعدم وجود نشاط إرهابي للموكلين جاءت تحريات الأمن مؤيدة لذلك، وصدر القرار الأخير بالاستبعاد من قوائم الإرهابيين”.

– إن البند الذي تتغافل عنه “النخبة البُوْقِيَّة” هو أن فِعْلَ الموت كان سبباً واجباً لسقوط التهمة عن المتهم المذكور”يوسف القرضاوي”، المشهور بدوره التنظيري في دعم الإرهاب عبر جماعته البنَّائية. والأمر يمثل قاعدة قانونية مستقرة؛ فالمحكمة الجنائية الدولية أسقطت التهمة عن المتأخون الفلسطيني “إسماعيل هنية” وسواه؛ ممن تسببوا في دمار غزة بالعدوان الصهيوني نتيجة متوهم “طوفان الاقصى”. فتهمة الأرهاب لا تسقط بالموت؛ ولكن محاكمته تسقط. كما ينبغي إدراك أن الرفع من القوائم لا يعني إسباغ صفة البراءة على الشخص المعني من أية جرائم سابقة ارتكبها، وصدرت بها أحكام قضائية.

– والمثير للسخرية أن هناك من أفراد “النخبة البُوْقِيَّة” من يغمز في التوجه الرسمي بالقول عن احتمالية: “وجود مفاوضات سرية بين شِقِّ من تنظيم الإخوان والسلطة” أدى إلى هذا القرار. والمؤكد أن هذا القول يدل على منهج “دس السم في العسل”؛ لأن الدولة أذكى من أن تلعب مثل هذه اللعبة الساذجة؛ إدراكاً بأن “الجماعة الساعاتية البنائية” منبنية على استراتيجية تنفيذ مشروعها المتوهم ببناء “دولة المرشد”. والأجهزة أذكى من تلبية النزوع لمثل هذه النوعية من الاستراتيجيات التي تتوهمها هذه النخبة.

– وتواصل تلك “النخبة البُوْقِيَّة” ترويج أجندتها التي ترتزق منها الدولارات الأميركية؛ بالتلميح إلى أن “التوجيه الرسمي للنيابة والقضاء” يمثل كما ذكر أحدهم: “استجابة لنصائح دولية بضرورة تلطيف الأجواء بشأن الأوضاع السياسية وحقوق الإنسان، وقد حدث ذلك من آن لآخر مثل فتح حوار وطني أو لقاءات رئيس الوزراء بالكتاب والمفكرين أو الإفراج كل فترة عن سجناء سياسيين”. وهذا القول المتهافت يسعى لتجريد الدولة المصرية العميقة من قوتها بكل مكاتب التفكير لديها؛ والتي لا تهتم بلطميات “مرتزقة الديموقراطية” وأسماؤهم كُثْرُ.

– وهناك من يواصل “البلاهة السياسوية” بالإيحاء أن القرار قد يكون استجابة مسبقة للدور الذي قد يلعبه الرئيس الأميركي الجديد “دونالد ترامب” تجاه الجماعة الساعاتية البنائية؛ والتي “حَشَدَت المسلمين والعرب في أميركا خلفه في الانتخابات فرجحت كفته”!!

وهذا الرأي المتهافت يتناسى أن “جماعة حسن الساعاتي” مُصنفة في كثير من دول العالم كجماعة إرهابية؛ و”مشروع ترامب” لا يلتفت إلى الحضور الهش لما يُسمى “فرق الإسلام السياسوي” في الغرب؛ باعتبارها “بيادق” يجري اللعب بها في منطقتها العقدية (الدول العربية والإسلامية).
*****
الخطاب النخبوي “البُوْقَوِي” ـ من البوق كما ذكرنا ـ في وسائط التواصل الاجتماعوي ضحلٌ في معالجته لتلك القضية؛ فالدولة المصرية تدرك طبيعة والمسلكيات والمنهجيات التي تتميز بها “الجماعة الساعاتية” (المُصنَّفَة إرهابية)، ولا يمكن أن تتناقض تلك الدولة في وظيفتها… لمعرفتها بتلك الجماعة؛ ويقينها بأن أية طَبَابَة ( من الطب) لها لن تصلح، ولن تعالجها باعتبارها معادية لنمط الدولة الوطنية.
لذلك فهذه المسألة التي تحولت إلى “موضوع الساعة” هي محض متابعة لموضوع قانوني؛ طرفاه النيابة العامة والقضاء المصري… والقرار في مضمونه ومنطوقه ودافعه قضائي ليسَ غير؛ فلتتوقف “النخبة البُوْقِيَّة” بثقافتها التافهة عن تزييف وعي الجماهير؛ وهي ترقص على إيقاع طبول “قوائم الإرهاب” المتأخونة!!

زر الذهاب إلى الأعلى