مقالات الرأى

رأفت السويركي يكتب: إلى متى نبقى نعيش في حالة “لعبة الميليشيات”؟!!

لأننا قوم لا نزال نعيش في “كهوف التاريخ” ولا نسعى للخروج من أنفاقه؛ مستهلكين أمجاد الماضي، وما هيمن عليها من متخيلات وأسطوريات… سنبقى بإرادتنا الكسيحة وعقولنا المتعفنة نزحف على بطوننا في أنفاقها.
والكارثة الحضارية التي سنبقى نحياها هي أننا قد استمرأنا وضع الأقنعة السوداء المُضللة فوق عيوننا؛ كيما لا نفتحها لمشاهدة الضوء الحضاروي المحيط بنا؛ واكتفينا بشراهة في استهلاك منتجات عقل وجهد هذا الآخر المصنعة والمستزرعة؛ على الرغم من أننا نعيش في المتوهم الذي تعممه المنابر الخشبية وأفواه أصحاب الذقون والكروش؛ بأن هذا الآخر هو من الكافرين الذين سيساقون بعد القيامة إلى سَقَر.
*****
هل نحن نفهم أنفسنا؛ وندرك الخلل الجينوي الذي أصابنا فخرجنا من سياق الحداثة والتحديث؟ أم أننا غرقنا وسنبقى نغطس في وحول الكهوف التي لن تطرق أبواب فضائها شمس التحديث والتنوير؟!
المشكلة الدالة على عوار فهومنا وإعاقة عقولنا أن الآخر/ الكافر الذي نتهمه في قناعاته اعتبرنا كفئران التجارب؛ يدخلها المعامل ويدرسها ويحرك حوافزها لكي تستمتع بالبقاء في الظلمة الفكرانية المهيمنة على عقولنا وحيواتنا.
وهذا الآخر الذي يجتهد في دراستنا منذ قرون ولا يزال بعد أن أطلق شعاره ( ما لقيصر لقيصر وما لله لله) كان يدرك مستهدفه فيسعى لتأصيل هيمنته علينا؛ وتوجيه مسلكياته عبر أجندتنا الفكرانية المتكلسة؛ والتي يكشفها ما يُسمى اصطلاحاً “الإسلام السياسوي” بحركاته المتخندقة ذات الأصول الماسونية والخوارجية ( جماعات حاء – حسن الساعاتي وحماس والحوثي وحزب الله… إلخ أنموذجا).
*****
إن هذه الجماعات التي تولدت في ظروف تاريخية معينة؛ وتسرطنت برعاية ذلك الآخر الذي يدرك خريطتنا الجينية ويتلاعب بكروموسوماتها ليتحكم فيها؛ ما كان لها أن تتوحش راهناً إلا في ظروف تداعي نمط الدولة القومو- وطنية (لبنان وسوريا والسودان وليبيا والعراق واليمن أنموذجا).
ومن دون شك فإن تجارب “جماعات حاء” الراهنة؛ دالة على دلالة وضرورة وجودها أنموذجا يحقق مستهدف ذلك الآخر؛ الطامع في مناطق الكهوف بثرواتها الدفينة (البترول والغاز والذهب والأجحار الكريمة والمعادن الثقيلة أنموذجا).
وهنا تتداعى الأسئلة الكاشفة لخطورة تلك “الجماعات الحائية”:
** لقد تمكنت الصهيونية من استزراع وجودها منذ البدء في وجود ما يُسمى كذبا “دولة الخلافة العثمانية”؛ وما قام به السلطان عبد الحميد من مساعدة اليهود في تيسير الهجرة والاستيطان بفلسطين السليبة ( كتاب الدكتورة فدوى نصيرات – دور السلطان عبد الحميد الثاني في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين مرجعاً).
** دور مؤسس ما يُسمى جماعة حسن الساعاتي البنَّاء في إنشاء جماعته بالرعاية والدعم البريطاني؛ وكذلك فعله المؤامراتي بسحب الفدائيين من “حصار المستوطنات/ الكيوبتسات” فور دخول الجيوش العربية إلى فلسطين؛ فتسبب ذلك في فك الحِصار عنها لتواجه جيوشاً لم تكن مؤهلة لمواجهة القوى العسكريتارية الداعمة البريطانية بطائراتها للوجود الصهيونوي بعد “وعد بلفور” المشؤوم.
** دور جماعة حاء حماس المتأخونة؛ والميليشياوية في إضعاف وجود السلطة الفلسطينية الجامعة؛ والأنشقاق انفراداً بقطاع غزة عن حضورها السياسوي. ثم قيامها بما يمكن تسميته “طوفان التدمير” لغزة المنتكبة وتدمير أبنيتها وتشريد أهلها واستشهاد نسائها وأطفالها؛ ما أتاح الفرصة للاجتياح العسكري من الدولة الصهيونية لها والهيمنة على رقعتها.
** دور جماعة حاء المُتَشيِّعَة بمسمى “حزب الله” الميليشياوي؛ الذي يجعل من لبنان الواحد دولة مفككة إلى “لبنانين”؛ تنفيذا للأجندة الفارسية الإيرانية الساعية لتكون رقماً عالميا سياسوياً؛ والذي تسبب في تواصل الفعل الصهيونوي المجرم؛ ببدء التدمير للضاحية الجنوبية؛ والتي كان لا يقترب منها قبل ذلك!
** دور جماعة حاء الحوثية المتشيعة؛ والتي تلعب دورها في هدم اليمن؛ وتفككيك دولته؛ وتفتيت أوصاله لإدراجه ضمن العباءة الفارسية قلباً وقالباً فتشكل ضاغطاً على البحر الأحمر منفذ قناة السويس إلى البحر المتوسط بهدف استهدافه الخفي لمصر.
*****
إن نماذج “جماعات حاء” السياسوية تكدح بفعل فاعل؛ لتدمير نمط الدولة المتعارف عليها سعياً لتعميم نمط الميليشيات التي ليس بمستطاعها أن تُقيم الدولة بمفهومها الراسخ عالميا؛ والمتجاوز “فكرة القبائلية” التي كانت من علامات أزمنة الكهوف والأعراق المغلقة.
إن الفكر الحاكم للميليشياوية نظاماً… يبقى متوائماً مع منطق الاستغلال المستهدف من (الآخر/ الكافر) لمخازن الثروات ومستقراتها وأسواقها؛ ما يعني أن “زمن القبيلة” والبطون البشرية المتناسلة عنها يبقى مرضاً بنيويا متوطنا في المنطقة؛ فيما هي حالة تجاوزها المجتمع الإنساني منذ قرون في رحلة ارتقائه من “حالة الغابة” إلى “حالة الدولة”.
لذلك فما نراه ناشطاً راهناً في المنطقة من تكوينات حائية مُعبرة عن هذه النوعية المتخلفة؛ تمثل حالة سرطانية بكل دلالاتها المميتة والمدمرة؛ فإلى متى نبقى نعيش في حالة “لعبة الميليشيات”؟ لذلك فلندعو ونعمل ليخلصنا الله من هذه السرطانات السياسوية؛ ويحمي أوطاننا من عوارها.

زر الذهاب إلى الأعلى