ذكرى بكاري تكتب: أرواح الكتب

الكتب تولد حين تُقرآ وليس عندما تُكتب، تتكون عند الكتابة ثم تولد عندما تفتح وتقرأ. وكما لكل واحد منا حظه في الحياة، للكتب أيضا حظوظها.
كتاب يقرأ في الطائرة وكتب تفتح في السجن وآخر يمكث بين أدراج مكتبة الجامعة قبل أن ينفض عنه الغبار أحد الطلبة بحثا عن المعلومة أو قتلا لأوقات الفراغ التي لا تنتهي.
قرأت لعدد من الكتاب لا يمكنني حصرهم، وقرأت كتبا بمختلف اللغات والمجالات والمستويات، ولكن لم أعرف في حياتي كتبا أوفر حظا من الروايات التي كتبها الدكتور شكري المبخوت صاحب الرواية الشهيرة الحائزة على البوكر “الطلياني”
هذه الرواية قرأتها صيف 2016  خلال اجازتي وأنا أنعم بشمس الإمارات في منتجع بجبل علي، مكان فخم لا تدخله سوى أقدام أصحاب الأحذية اللامعة، كنت أجازي نفسي بعد عام من العمل الشاق بأيام مخملية وكتاب رائع، فأصبح “الطلياني” يذكرني بتفاصيل تلك العطلة المبهجة والمفرحة والسعيدة.
وقرأت رواية “يوميات نور” للكاتب شكري المبخوت شتاء 2023 في تونس عندما قررت العودة الي مقاعد الدراسة بالجامعة، بعد عقدين من دخولي لها أول مرة.. وكانت تجربة مميزة بكل المقاييس زادتها تميزا “يوميات نور” التي كانت تسافر بي كل يوم من أروقة الجامعة الى دبي أين تدور أحداث الرواية، فأصبحت تذكرني بأيام الجامعة الرائعة.
وربيع 2024، قرأت رواية” العميد في قلعته” للأكاديمي شكري المبخوت بالمملكة العربية السعودية بفندق فخم يطل على الكعبة الشريفة، أين كنت أدخل للمحافظة والإمارة والإدارات والوزارات بالمملكة أوقع سطرا في هذه المرحلة الانتقالية الحاسمة التي تشهدها المملكة.
جعلت للرواية روحا وعطرتها بعطري وأعرتها أنفاسي، فأصبحت كلماتها تمشى على قدمين تنظر لي بعينيها وتسمعني قبل أن أسمعها، اختلطت بكل ما عشته خلال فترة قراءتها فكنت أسافر كل يوم إلى تونس ويعود بي الزمن للتسعينات فترة أحداث الرواية، ثم أعود الى المملكة لأعيش واقعا كدت أعتقد أنه ليس إلا أحداثا لرواية أقرأها وانتظر نهايتها.
الكاتب لا يكتب كتابا واحدا، بل يخلق الكتاب ثم تتحول كل نسخة الي كائن مختلف تماما عن بقية النسخ، لأنه يأخذ من روح القارئ ومن تفاصيل أيامه.
لذلك، فروايات الدكتور شكري المبخوت ليست مجرد روايات بل هي كائنات خلقت في فترات اخترت خلالها أن أجعل واقعي مجرد رواية تنتهي بانتهاء التجربة، وحولت روايات المبخوت الي واقع وحقيقة انتقيتها بعناية، وربما هذا ما يفسر مقولته الشهيرة” نحن نقرأ لنعيش مرتين”
شكرا لكل كاتب جعلتنا رواياته نعيش مرتين، مرة نعيش الحياة الحقيقية التي لم نختارها، ومرة نعيش الحياة التي نختارها من خلال كتب نهرب اليها لننجو من كل شيء