مقالات الرأى

د.صابر حارص يكتب : يوميات صائم (2)

0:00

وكيف تنزل رمضان مكانته بين أيام الله؟ فلا يصح أن يكون رمضان وغيره سواء، وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: (أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، وفوق كل ذي علم عليم)
وهكذا يظهر بالقياس تعظيم رمضان من بين شهور السنة فرضا على كل مسلم

ومن أبواب تعظيمه بداية أن نستشعر نعمة الله علينا بأن بلغنا رمضان وقد حرم غيرنا، فإن بلوغ رمضان أمر لو تعلمون عظيم، ففيه يفرق كل أمر حكيم، حيث يقضي الله في إحدى لياليه أمر السنة كلها؛ من يموت ومن يولد، ومن يعزّ، ومن يذل، ومن يرزق، ومن يحرم، وهكذا سائر أمور السنة كلها

ونعمة بلوغ رمضان تستحق الشكر لله طوال رمضان وبعد رمضان فقصة الإخوة الثلاثة الذين دخلوا في الإسلام فمات منهم اثنان في الجهاد وبقي الثالث مدركا رمضان وكان الأعلى في الأجر قصة معروفة تؤكد ما لرمضان من فضل على الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام

وأفضلية الصيام على الجهاد لا تحتاج الى إثبات لأن الصيام ركن من أركان الدين، أما الجهاد فليس ركنا، ولذلك فإن أثر الصيام على الانسان أعلى من أثر الجهاد في سبيل الله

أنزل رمضان مكانته لأن الانسان يولد فيه من جديد، بل إن الكون كله يولد فيه من جديد، فالشياطين تقيد وأبواب الجنة تفتح وأبواب النار تغلق، وما يظهر من شرور وآثام هي من شياطين الإنس والنفوس الأمارة بالسؤ

أنزل رمضان مكانته فلا يفوتنك فيه فجرا وعشاء في جماعة، وداوم على ذكر الله من بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يجلس بالمسجد حتى طلوع الشمس وفي حديث صحيح
«مَن صلى الفجرَ في جماعةٍ، ثم قَعَد يَذْكُرُ اللهَ حتى تَطْلُعَ الشمسُ، ثمّ صلى ركعتينِ، كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ تامَّةٍ، تامَّةٍ، تامة

أنزل رمضان مكانته بالخشوع في الصلاة فلا يصح أن يكون خشوعك في رمضان وقبله سواء،
فإن الصلاة مفتاح كل خير وعنوان كل فضيلة ولا يقبل عمل إلا بدونها

أنزل رمضان مكانته بالصفح والتصالح والتسامح وجبر الخواطر وحب الخير للناس وتطهير قلبك من البغض والغل والحسد والحقد والنفاق والرياء والكبر والكذب والهوى، وإلا فلا فائدة من صيامك وقيامك وصلاتك

فإن ما سبق أبا بكر الصحابة من فضل، ولا بلغ السلف ما بلغوا بكثرة صلاة، ولا صيام، ولا صدقات وزكاة ولكن بسخاء النفوس، وسلامة الصدور، ولين القلوب، وإنكار الذات، والرحمة بالعباد

أنزل رمضان مكانته بالجلوس أسفل قدمي أمك وأبيك حيث الجنة والجنان، والرحمة والغفران، فقد ثبت أن بر الوالدين يكفر الكبائر، أنزل رمضان مكانته بإدخال السرور في زوجك وولدك وأهلك ورحمك وجارك حتى لو بكلمة طيبة

أنزل رمضان مكانته بقيام الليل فإنه شرف المؤمن، ولا قيمة لانسان بلا شرف، أنزل رمضان مكانته بتدبرك للقرآن فإن معرفتك بتدبر غيرك له لا يكفي، أنزل رمضان مكانته بالتضرع إلى الله بالدعاء لك ولوالديك وأبناءك وأهلك وجيرانك وأحبابك، فإن الغافل عن الدعاء متكبر آثم

أنزل رمضان مكانته بإغاثة المحتاجين ماديا ونفسيا وأولهم الأقربون وخاصة هذا العام للتخفيف من الغلاء والبلاء، أنزل رمضان مكانته بصلة الأرحام فلا يدخل الجنة قاطع رحم

أنزل رمضان مكانته بمراجعة مواقفك وعثراتك واعلم أن ما كنا نرفضه أمس قد نتمناه اليوم، أنزل رمضان مكانته باستحضار شريط الذنوب والمعاصي، وأنت تستغفر عن كل ما تعلمه وما لا تعلمه، تستغفر عن ظاهر الاثم وعن باطنه، عن الكبائر وعن الصغائر

أنزل رمضان مكانته الرفيعة ليتصاعد فيها الإيمان من الآن إلى أن يصل قمته في عيد الفطر المبارك، فلا تبدأ قويا وتنتهي ضعيفا، فإن الأعمال بخواتيمها

خلاصة القول في رمضان: اجمع الفضائل كلها، وتجنب الرزائل جميعها، فكما تضاعف الحسنات تعظم السيئات

زر الذهاب إلى الأعلى