د.سوزان القلينى تكتب: الاستثمار في التعليم
يوافق يوم 24 من شهر يناير كل عام (اليوم الدولي للتعليم) وهو اليوم الذي تحدد بناءً على القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2018 للتأكيد على دور التعليم في بناء الإنسان ومن ثم المجتمعات وتحقيق التنمية المستدامة والسلام للعالم.
وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن شعار هذا العام وهو (الأولوية للتعليم كوسيلة للاستثمار في البشر) توقفت كثيراً عند الشعار وخصوصاً التعليم والاستثمار في البشر، وتساءلت عن أي تعليم هذا الذي يستثمر في البشر؟ هل هو العليم القائم على الحشو والحفظ وتحويل الإنسان إلى ببغاء يتذكر ويردد دون فهم ودون تطبيق على أرض الواقع؟ أم هو التعليم الذي يقوم على سباق محموم للمجموع الأعلى في نهاية المرحلة الثانوية للوصول إلى ما أسماه البعض بكليات القمة دون اعتبار لما يتبعه من فشل يحدث للبعض من سوء الاختيار غير المتوافق مع القدرات؟
مما لا شك فيه أن التعليم الذي يستثمر في البشر نوعية مختلفة شكلاً ومضموناً عن هذا الذي ذكرته، إنه التعليم الحقيقي الذي يقوم على اكتشاف قدرات ومهارات الإنسان منذ نعومة أظفاره والذي يوجه طاقاته ومشاعره نحو كل ما هو جميل ومفيد ومتوازن.
قديماً كان اليوم الدراسي يتضمن حصصاً للموسيقى والأغاني وأنشطة المسرح والتمثيل والرسم بالإضافة إلى حصص التدبير المنزلي والزراعة والرياضة والتي من خلالها يكتشف القائمون على التعليم قدرات ومهارات التلاميذ وتوجيههم نحو الأنسب لقدراتهم.
كان المسرح المدرسي يعج بالأنشطة والتنافس البنّاء بين الطلاب، وكان تسابق الطلاب على من يرفع العلم ويردد التحية والطلاب يتبعونه مرددين (تحيا جمهورية مصر العربية) والتي كانت تقشعر لها أبداننا ونحن صغار من حماس الجميع بترديد أسم مصر الغالية.
أتذكر أيضاً تسابق الجميع للوقوف أمام الإذاعة المدرسية الصباحية وما تحتويه من أهم الأخبار عن الوطن والمدرسة ولا يصل لهذا الميكروفون إلا من يمتلك ناصية اللغة العربية وحسن الإلقاء والالتزام بالزي المدرسي، تعلمنا الالتزام وضرورة الإعداد والاستعداد فلربما تكون الإذاعة المدرسية من نصيب أي طالب في هذا اليوم.
كان المدرسون يتابعون أداء الطلاب ويصححون الأخطاء ويراجعون الدروس معهم وكل همهم الارتقاء بمستوي الطلاب والمدرسة وليس الفوز بأكبر عدد من طلاب الدروس الخصوصية.
لقد تراجع الانتماء للوطن لدي النشء عندما أصبحت تحية العلم قراراً خاصاً لكل مدرسة، وتراجع تأثيرنا بالقوة الناعمة عندما تراجعت الأنشطة الترفيهية والثقافية في المدارس التي أفرزت لنا كبار النجوم والفنانين الذين أثروا بفنهم العالم أجمع، وتراجعنا في العلوم كافة عندما أصبحت مدارسنا تهتم بالكم على حساب الكيف وبالمجموع على حساب بناء الشخصية، وعندما أصبح المجتمع ينظر إلى الكليات الأدبية باعتبارها من كليات الصف الثاني.
الاستثمار في البشر يعني بناء شخصية متوازنة واعية منتمية قادرة على التنافس ولن يحدث ذلك إلا بإعادة المدرسة الحقيقية بكل مقوماتها الأساسية.
أخيراً: إن عصر المدرسة الحقيقية هو الذي أفرز كبار النجوم، والفنانين والمثقفين والعلماء.
Npasuzan1@hotmail,com