مقالات الرأى

د. حسين عبد البصير يكتب: التقويم الشمسي في مصر القديمة

0:00

يحتفل المصريون ببداية السنة القبطية الثابتة مع مطلع شهر “توت”، ويعد اليوم من بين الأعياد التي تحتفل بها الكنيسة المصرية، ويُطلق عليه عيد “النيروز”، أو عيد الشهداء لتخليد ذكرى الذين سقطوا في عهد الإمبراطور الروماني دقلديانوس.
فما قصة التقويم الشمسي وشهور السنة القبطية في مصر القديمة؟
يوافق العام 6264 وفقًا للتقويم المصري القديم، بينما ترتيبه وفق التقويم القبطي هو 1738؛ إذ يعد التقويمان امتدادًا لبعضهما البعض. آمن المصريون القدماء بأن الزمن مكون من الماضي والحاضر والمستقبل. وكانوا يعتقدون أن الشمس والقمر أبديان ورمزوا بهما للأبدية. ورمزوا لأبدية الكون بالثعبان الملتف الذي يعض ذيله. واتخذ الفراعنة السنة النجمية وحدة أساسية لقياس الزمن وصناعة التقويم. استخدم المصريون القدماء في تقدير طول السنة النجمية الظاهرة الفلكية المعروفة بالشروق الاحتراقي أو الحلزوني لنجم الشعرى اليمانية، أو (سيروس Sirius)، أو “سبدت” في مصر القديمة، والتي كانت تقوم على رؤية هذا النجم قبيل شروق الشمس، وقت فيضان نهر النيل الخالد. وكانوا يعلمون أن طول هذه الفترة هو 365 وربع اليوم. واعتمدوا في ضبط هذا التقويم على رصد هذه الظاهرة. وكان الفرق بين السنة النجمية وسنتهم المدنية يتكامل حتى يصبح سنة كاملة كل 1460 سنة.
اعتنى المصريون القدماء بدراسة حركة الشمس الظاهرية وسط النجوم الثابتة منذ أقدم العصور، واستنبطوا من ذلك طول السنة النجمية، خصوصًا أن الشمس كانت من أهم معبوداتهم، وكانت مدينة هليوبوليس مقرًا لعبادتها.
أبدع المصريون القدماء تقويمًا فلكيًا محكمًا منذ أقدم العصور. وابتكروا السنة المدنية مما جنبهم التخبط الذي غرق فيه الأشوريون والإغريق والرومان في محاولاتهم الفاشلة لربط أوائل الشهرية القمرية بأوائل الشهرية المدنية.
لاحظ المصريون القدماء بزوغ نجم الشعري اليمانية في مواعيد محددة مرة كل عام مع وصول مياه الفيضان إلى أرض مصر وبدء الدورة الزراعية التي كانت تعتمد عليها حياتهم اعتمادًا رئيسًا؛ فقسموا السنة أو “رِنبت” إلى ثلاثة فصول ارتبطت بالدورة الزراعية. وهي:
• فصل الفيضان أو فصل “آخت”: وهو فصل فيضان النيل. ويبدأ من شهر يوليو إلى شهر أكتوبر.
• فصل الشتاء أو فصل “برت”: وفيه كان يتم بذر البذور وبداية الزرع. ويبدأ في شهر نوفمبر.
• فصل الصيف أو فصل “شِمو”: وهو فصل الصيف. وكان يتم فيه الحصاد. ويبدأ في شهر مارس.
كان مقدار السنة المدنية في مصر القديمة حوالي 365 وربع اليوم. وكانت السنة مكونة من 12 شهرًا. وكان كل شهر مكونًا من ثلاثين يومًا. وكان الشهر مكونًا من ثلاثة أسابيع، وكل أسبوع من عشرة أيام. وكانوا يقسمون اليوم إلى 12 ساعة لليل و12 ساعة للنهار. وكان اليوم يبدأ من منتصف الليل وينتهي مع بدء منتصف اليوم التالي. وكانوا يضيفون إليها في نهاية السنة خمسة أيام. وكانت تُعرف بأيام النسئ. وكانت هذه الأيام الخمسة مخصصة للاحتفال بأعياد آلهتهم.
كان المصريون القدماء يحتفلون برأس السنة المصرية، أو بأول يوم في السنة الزراعية الجديدة، غالبًا في الحادي عشر من سبتمبر، موعد اكتمال موسم فيضان النيل، رمز الحياة والنماء والخصوبة في مصر القديمة حين كان يعم الخير والبركة على أرض مصر الطيبة وأهلها العظام، وحين كانت أرض مصر تزداد خصوبة ونماءً وثراءً، وحين كانت تتضاعف كمية المحاصيل الزراعية المصرية القديمة.
شهور السنة القبطية
يبلغ عدد شهور السنة القبطية 12 شهرًا و”شهر صغير” يسمى النسئ، وكانت خاصة بأعياد بعض الآلهة في مصر القديمة. وتكمل أيام السنة، وربما كان أصل تسميتها كأنها “نسيت”، وهي بالتحديد 4 أيام من 6 إلى 10 سبتمبر.
أطلقوا على الشهور أسماء آلهتهم. وكانوا يقيمون الاحتفالات في كل شهر باسم معبود معين والذي كان يطلق عليه اسم الشهر. ومن بين هذه الأسماء، توت، أو جحوتى باللغة المصرية القديمة، وكانوا يحتفلون به في جميع أنحاء مصر لمدة أسبوع، وهو عيد النيروز الحالي، كما سبق القول، وهاتور نسبة للربة حتحور، وبرمهات الذي كانت ترتفع فيه درجة الحرارة فتنضج المحاصيل الزراعية بكثرة وبسرعة، وبابة وطوبة وأمشير وأبيب وبؤونة وغيرها.
تبدأ شهور السنة القبطية بشهر توت. واشتقت أسماؤها من التقويم المصري القديم، وهي بالترتيب: “1 توت- 2 بابه- 3 هاتور- 4 كهيك- 5 طوبة- 6 أمشير- 7 برمهات- 8 برمودة- 9 بشنس- 10 بؤونة- 11 أبيب- 12 مسرى”. والأصل في غالبية تلك الأسماء هو أصل مصري قديم، وتم تحويرها قليلاً بمرور الوقت. وكما سلف الذكر، تمثل أهمية شهور هذا التقويم في ترتيب الاحتفال بالأعياد المسيحية المختلفة، كذلك يستخدمه الفلاحون المصريون في حياتهم لارتباطه بالزراعة: من فيضان النيل، وجفافه، إلى زراعة المحاصيل، ثم حصادها.
■ توت: “إروي ولا تفوت”، أي أن الري الكثير لا يضر بالأرض.
■ بابه: “خش واقفل الدرابة” أي أغلق الأبواب والمنافذ بإحكام لاستقبال البرد مع قدوم فصل الخريف.
■ هاتور: “أبو الدهب منثور” أي أن اصفرار محصول القمح في الغيطان مع اقتراب وقت حصاده، وأيضًا يقال “إن فاتك هاتور، اصبر لما السنة تدور.”
■ كيهك: “صباحك مساك شيل إيدك من غداك وحطها في عشاك” في إيحاء بقصر طول النهار في تلك الفترة من العام.
■ طوبة: “تخلي الشابة كركوبة”؛ أي من شدة البرد تصبح البنت الشابة عجوزًا، لانحنائها في محاولة منها للحصول على الدفء غير الموجود في الجو.
■ أمشير: “يفصص الجسم نسير نسير”، أي أن رياح ذلك الشهر العاتية تصبح خطرًا كبيرًا يمزق الأجسام. ويُعرف شهر أمشير شعبيًا بـ”أبوالزعابيب”؛ نظرًا لتقلباته المستمرة التي قد تصيب الجهاز التنفسي، بما في ذلك الجيوب الأنفية. ويمثل ذلك الشهر مصدر إزعاج للكثيرين، خصوصًا مَن يعانون مشاكل في الجهاز التنفسي والجيوب الأنفية على وجه التحديد، غير أنه للتأقلم مع شهر “أبو الزعابيب”، شهر الرياح القوية والبرودة الشديدة حينًا، يُوصى البعض بارتداء الكمامة أثناء الخروج من المنزل؛ لمواجهة الأتربة والغبار الشديد الذي يحدث أثناء ذلك الشهر.
■ برمهات: “روح الغيط وهات”، أي “روح” إلى الغيط، واحصل على ما لذب وطاب من ثمار المحاصيل المصرية اللذيذة.
■ برمودة: “دق العامودة”، أي تجهيز القمح للدرس أو تذرية حبوبه بعد وقت الحصاد، وكان يتم نصب عمود وسط “الجرن” في الريف المصري لذلك الغرض.
■ بشنس: “يكنس الأرض كنس”، أي أنه بعد موسم الحصاد، تخلو الحقول من آثار الزراعة والحبوب وغيرها.
■ بؤونة: “تنشف الميه من الماعونة” أي تجف المياه في الأواني من أثر الحر الشديد، و”بؤونة نقل وتخزين المونة”؛ أي أنه شهر نقل
وتخزين المؤونة.
■ أبيب: “فيه العنب يطيب” أي أنه شهر حصاد العنب المصري لذيذ الطعم وطيب الشكل.
■ مسرى: “تجرى فيه كل ترعة عسرة”، أي تزيد مياه فيضان نهر النيل الخالد؛ فتغمر حتى القنوات الصغيرة التي كانت جافة طوال السنة في مصر. ومن الجدير بالذكر أنه اشتهر عند الفلاحين المصريين الأصلاء قبل عقود بأن الحمير تتكاثر أو تموت فيه بشكل كبير.
مصر القديمة لم تمت. مصر القديمة تعيش فينا وبيننا. مصر هي التي علمت العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى