مقالات الرأى

د. حسين عبد البصيريكتب: قناع الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون

0:00

بعد اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون في 4 نوفمبر 1922، صار ذلك الملك أشهر ملك على وجه الأرض في العالم كله قديمًا وحديثًا. وضمت مقبرة الفرعون الذهبي الكثير من الكنوز الفريدة والجميلة والعظيمة. غير أن قناع الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون يعد أهمها وأشهرها وأجملها وأغلاها دون شك.
يعد قناع الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون أجمل وأشهر وأغلى قطعة أثرية في العالم كله. لقد صنع الفنان المصري القديم في عصر الأسرة الثامنة عشرة قناع الملك توت عنخ آمون من الذهب الخالص. ويبلغ ارتفاعه 54 سم. ويصل وزنه إلى أكثر من 11 كم من الذهب الخالص. والقناع مكون من طبقتين من الذهب. ولقد ربط الصانع المصري القديم بينهما عن طريق استخدام تقنية الطرق. والقناع من روعة جماله وعبقرية تصنيعه منقوش ومصقول ومُرصع بعدد كبير من الأحجار الكريمة. وتم تقليد البعض منها بالزجاج.
يظهر الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون مرتديًا تاج رأس الملوك الشهير في مصر القديمة، الذي نطلق عليه اسم “نِمس”. وتزين التاج حية الكوبرا، رمز الربة “واجيت”، ربة ورمز مصر السفلى أو الدلتا، وأنثى العقاب، أو الربة نخبت، ربة ورمز مصر العليا أو الصعيد. وكان ذلك الغطاء الخاص بالرأس معروفًا جدًا عند المصري القديم. ويتكون من خطوط متوازية. ويظهر الملك وهو يضع اللحية المعقوفة المقدسة الخاصة بالآلهة على ذقنه. وهي مُرصعة بالفاينس أو القاشاني. ومع الوقت، تلاشت وبهتت ألوان تلك الترصيعات. وصارت ذات لون رمادي شاحب.
صُنعت عينا الملك من الكوارتزيت وحجر الأوبسيديان، أو حجر السبج. وصُنعت القلادة التي يرتديها الملك في القناع من أكثر من صف. وهي مُرصعة بقطع من الزجاج الملون تُحاكى اللازورد والچاسبر والكارنيرليان، أو العقيق الأحمر، بالإضافة إلى حجر الأوبسيديان. وكل تلك الأحجار منتظمة في 12 صفًا.
توجد بالجزء الخلفي للقناع خطوط طولية من الأعلى إلى الأسفل. وهي عبارة عن خطوط طولية من الكتابة الهيروغليفية. وهي منقوشة على الذهب. وهي مستمدة من نصوص كتاب “الخروج في النهار” أو ” الخروج إلى النهار”، أو نطلق عليه اصطلاحًا “كتاب الموتى”. وكان من بين النصوص الدينية الجنائزية المهمة في عصر الدولة الحديثة. وكان الهدف من وجود كتاب الموتى في الأثاث الجنائزي للمتوفى هو تأمين رحلة المتوفى أو الموتى في العالم الآخر في مصر القديمة. ويعد كتاب الموتى امتدادًا إلى ما نعرفه بـ”متون الأهرام” أو “نصوص الأهرام” في عصر الدولة القديمة. وكانت تخص الملوك والملكات فقط. وكانت تُكتب في حجرات الدفن والممرات المؤدية إليها داخل أهراماتهم.
وفي عصر الدولة الوسطى، حدث تطور آخر في العقيدة المصرية القديمة، وصار من حق الأفراد من غير الملوك تأمين رحلتهم في العالم الآخر من خلال استخدام ما نطلق عليه “متون التوابيت” أو نصوص التوابيت”، والتي كانت تُكتب داخل توابيتهم الخشبية. ويمكننا أن نطلق على تلك الظاهرة “ديموقراطية العالم الآخر في مصر القديمة”؛ إذ صار لكل فرد الحق في كتابة تلك النصوص داخل تابوته؛ كي ينعم بحياة أبدية ليس من ورائها فناء. ثم حدث التطور الأكبر والأهم والأشهر في عصر الدولة الحديثة بظهور كتاب “بِرت إِم هِرو” أو “الخروج إلى النهار” أو “الخروج في النهار”، أو كتاب الموتى. وصار الجميع يستخدمه سواء من الملوك والأفراد. وصار أحد أهم وأشهر الكتب الدينية والجنائزية، ليس في مصر وحدها، بل في العالم كله. وهنا نراه منقوشًا على الجزء الخلفي للقناع الذهبي الشهير للفرعون الملك الأشهر توت عنخ آمون، أشهر وأجمل قطعة أثرية في العالم كله؛ لتأمين رحلة الفرعون الذهبي في العالم الآخر.
وأظن أن نصوص كتاب الموتى قد نجحت في تأمين رحلة الملك توت عنخ آمون في العالم الآخر، وفي الحفاظ على آثاره الجميلة حتى وصلت إلينا كاملة في 4 نوفمبر عام 1922، مما أحدث الهوس والجنون بالملك توت عنخ آمون في العالم كله منذ لحظة اكتشاف مقبرته وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
لقد نجح الفراعنة في تأمين آثارهم وتخليد ذكراهم ورحلتهم في العالم الآخر وفي العالم كله.

———-

مدير متحف الآثار-مكتبة الإسكندرية
‏Email: [email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى