د. إيمان إبراهيم تكتب : “شاب في أكاديمية ناصر العسكرية”
تعد الأيام التي قضيتها في أكاديمية ناصر العسكرية بمثابة تجربة فريدة من نوعها، وسط جموع مختلفة من القيادات العسكرية والمدنية بالإضافة إلى الثقافات ووجهات النظر المختلفة والأعمار المتباينة، تلقينا خلالها الكثير من المعلومات والنصائح التي دعمت بعض الأفكار لدينا، وهدمت بعض المعتقدات بالأدلة والبراهين، ولكن ما لفت نظري بشكل كبير هو وجود شاب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، إذ به أثناء مداخلته مع أحد المحاضرين يقول وكأنه طفل يناجي أمه ويخطب ودها وصوته يرتجف من الرعشة الممزوجة بالحنين وعشقه لها “أنا أكتر واحد هنا بيحب مصر” .
كلماته وقعت علي مسامعي كالصاعقة من شدة تأثيرها مما جعل بداخلي رغبة جامحة في النظر اليه وهو يتحدث، فأدرت جسدي للخلف بشكل ملفت للنظر، بحثًا عنه، فوجدته شابًا لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، قد تغرغرت عيناه بالدموع المحبوسة خلف نظارته وهو يسترسل ويخاطب المحاضر قائلًا “البلد بتقدم كتير واحنا الشباب مش عارفين حاجة، ليه متطلعوش تكلموا عن اللي بتقدمة البلد، ولسان حاله يقول ارحمونا وساعدونا نشعر بالرضا عن بلدنا وارضنا، وبلاش تسمحوا لحد يستغل جهلنا وضعفنا وصغر سننا، علشان منضعش وتضيع مننا البلد.
فهمونا واحكولنا عن مجدنا وأجددنا عملوا اية عشان يحافظوا علي أرضنا، قولولنا أسباب أزماتنا وأزي ممكن نتغلب عليها، عرفونا الفرق بين أننا النهاردة مسؤولين من، وبكره مسؤولين عن، قولولنا إن كل محنة جواها منحة، أكدوا وقولوا محدش بيموت من الجوع بس ممكن نموت من الخوف وعدم الأمان، احكولنا عن تاريخ مصر العظيم، قولولنا إن احنا رجالة وقادرين نتحمل ونصنع المستحيل وأكدوا إن احنا خير أجناد الأرض، عددوا ووصفوا وتغنوا قدامنا بجمالها وإن مهما زادت عثراتها وهمومها هي برده أمنا واتخلقت لنا.
دعموا فينا حب الوطن، عرفونا يعني ايه انتماء، وبلاش تسيبونا لحرب بقت بجرة قلم أو فكرة خلقوها ناس من العدم هدفهم هدم البلاد والعادات والقيم، فكرة تراود أحلامنا وتلعب علي ضعفنا ونكون إحنا وأرضنا الثمن…
كانت هذه بعض الرسائل الضمنية التي أرسلها الشاب من أكاديمية ناصر العسكرية لكل قائد ومسؤول ولكل أب وأم، حيت كانت كلماتها كالقنبلة الموقوتة التي أصابت مسامع الحاضرين، حيث عمَّ الصمت أرجاء المكان وأخذت الدهشة تعتري الوجوه، وصار لسان حال الكثيرين إن لم يكن الجميع يقول ماذا قدمنا لأبنائنا مما ذكره هذا الشاب؟!!.
عندها اختلطت المشاعر الممزوجة بالفرحة والتقصير، فرحنا جميعًا لوجود مثل هذا النموذج من الشباب المشرف الذي يبحث عن الحقيقة من مصادر متعددة وموثوقة، وإصراره علي النقاش والتحاور في كل ما يجول بخاطرة من عثرات تواجه البلاد، وعلامات استفهام أخري يبحث عن إجابات لها، وازداد الفرح فرحًا وفخرًا عندما احتوي المحاضرين العسكريين والمدنيين هذا الشاب، وأخذوه رويدًا رويدًا وأجابوا علي أسئلته وناقشوه بالعقل والمنطق وقدموا له الحجج والبراهين الموثقة.
كل ذلك جعلنا نشعر بأن مصر ولادة بالقيادات الحكيمة والعقل الراحج والشباب الغيور والمحب لبلدة.
وعندها انتابتنا غصة في القلب وخيم الحزن علي وجوه الكثيرين، جعلتنا ندرك مدي تقصيرنا تجاه أبنائنا وحقهم علينا في تنمية وعيهم وحمايتهم من الأفكار الهدامة التي تستهدف عقولهم وتستغل ضعفهم وجهلهم، بغرض زعزعه أمن وأمان الوطن، حتي فقد بعض الأبناء أهمية وقيمة وطنه هيا بنا يا معشر الآباء والأمهات نلبي نداء الشاب المحب للوطن لنحميهم من أي عدوان غاشم يستهدف بلاد العزة والكرم..
حفظ الله مصر وشعبها من كل مكروه وسوء.