د. إيمان إبراهيم تكتب : المرأة وحديث الإمام(٤)
يعد موضوع تعدد الزوجات من الموضوعات المثيرة للجدل في عصرنا هذا، حتى أصبح بين مؤيد مطلق معتبرًا أن الأصل في الزواج التعدد، وبين مؤيد بشروط معتبرًا أن الأصل هو زوجة واحدة
فالمؤيدون يرون أن تعدد الزوجات يسهم بشكل كبير في حل مشكلة العنوسة التي باتت من القضايا الهامة التي يعانى منها المجتمع، أما المؤيدون بشروط فقد تكون هذه الشروط قاسية ويصعب تنفيذها عند البعض لكن الحجة التي يمتلكونها هؤلاء الرجال أن تعدد الزوجات رخصة منحتها لهم الشريعة الإسلامية.
ولكني أوجه بعض التساؤلات للذين يقولون أن تعدد الزوجات يسهم بشكل كبير في حل مشكلة العنوسة
هل مساعدة الشباب غير القادر على الزواج يسهم في حل مشكلة العنوسة ؟!! وإذا كانت الإجابة بنعم فما المانع من إعانة هؤلاء الشباب على الزواج إذا كنتم تريدون صلاح المجتمع كما تدعون؟! أليس هذا درئ للمفاسد وحماية للشباب من الجنسين؟! ومن وجهة نظركم هل من حق المرأة أن تطلب الطلاق بحثًا عن السعادة مع زوج آخر قادر على تلبية احتياجاتها المادية والمعنوية بشكل أفضل من الزوج الحالي، وما رد فعل المجتمع تجاه من تفعل ذلك رغم ندرتهن مقارنةً بالرجال؟! وإذا كانت الإجابة بنعم فما الشعور الذى يقترفه زوجها وما مصير أبنائها؟!، وإذا كانت الإجابة بلا فما ذنب هذه الزوجة أن تتحمل ما لا طاقة للرجال بتحمله وجعلهم يفرون من زوجاتهم بحثًا عن السعادة والزواج بأخرى؟!!.
أفيقوا يا من تدعون أن هذا حق مطلق دون قيد أو شرط كفانا امتلأ المجتمع بأطفال الشوارع، وعمالة الأطفال في شتى المجالات وأطفال وأمهات مرضى نفسيين، معيلات يتجرعن ويلات وذل الحياة لتوفير ابسط حقوق أطفالهن من مأكل ومشرب وتعليم وغيرها من نفقات، والأب ما زال على قيد الحياة يبحث عن السعادة في ثوبها الجديد، ضاربًا بقوامته عرض الحائط مستندًا على فهمه المعوج لما ورد في سورة النساء ” وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ “(3).
حيث أشار الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في برنامجه “حديث الإمام” أن إشكالية التعدد سببها تفسير النصوص في ضوء العادات وليس في تحكيم النصوص لتوجيه العادات والتقاليد
حيث أكد فضيلته أن «فوضى التَّعَدُّد»، من الموضوعات الخَطِرة التي تَغلَّبتْ فيها مَواريث العادات والأعراف على مواريث الشَّريعة وأحكامها، داعيا إلى ضرورة الاجتهاد للخروج بفقه آخَر أو فتاوى أخرى أقرب إلى كتاب الله وسُنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم، إلى السَّاحة لتُبيِّن للناس حقيقة ما نُزل إليهم في هذا الشأن.
وأكد فضيلته أنه لا يدعو أبدًا إلى تشريعاتٍ جديدةٍ تُلْغِي حق التعدُّد، يصدمُ تشريعات القُرآن الكريم أو السُّنَّة المُطهَّرة”، موضحا أنه يدعو إلى مزيدٍ من التأمُّل في أحكامِ هذين المصدرينِ الكريمين، وإلى مزيدٍ من التأمُّلِ في ميراثِنا الفقهي العظيم، وآراء علمائِنا من أئِمَّة الفِقْه والتفسير والحديث. وبيّن الإمام الأكبر أن الفقهاء قد اتفقوا على أنَّ تعدُّد الزوجات في أفضلِ أحوالِه رُخصةٌ مشروطةٌ بشرطِ القُدرةِ على الإنفاق على زوجتين، وشرط العدل المطلق بينهما، مؤكدا أنَّ مجرد الخوف من عدم الوفاء بأي من هذين الشرطين يجعل من الزواج الثاني ظُلمًا يَحْرُم ارتكابه. ولفت فضيلة الإمام الأكبر إلى أنه مع اتفاقِ العلماءِ على وجوبِ الزواج على مَن يخشى على نفسِه الوقوع في الفاحشة، إلَّا أنَّهم يشترطون في هذه الحالة رُغم ضرورتها، ألَّا يترتَّب على زواجه هذا ضررٌ يلحقُ بالزوجة كعدم القُدرة على الإنفاق عليها مثلًا.. حتى قال علماء الأحناف: «إنْ خشيَ شاب على نَفْسِه الوقوعَ في الزنا إنْ لم يتزوَّج، وفي الوقت نفسه يخشى لحوق الظلم أو الجور بالزوجةِ إن تزوَّج: يَحْرُم الزواج. واستنتج فضيلة الإمام الأكبر من رأي علماء الأحناف أنَّ الجورَ على الزوجة جريمةٌ تزيد على جريمة الزنا كما أشار إلى حرمة التعدد إذا كان بنِيَّة الجور وتعمده، وقصدِ الإضرار بالزوجة الأولى. وأوضح الإمام الأكبر أن المذاهب الفقهيَّة تجمع على حُرمةِ الزواج ابتداءً أو تعدُّدًا إن كان الزوج غير قادر على النفقة على زوجته، متسائلاً: كم هي نسبة الزواج الثاني أو الثالث في أوساط العامَّة والتي يتوفر فيها شرط الإنفاقِ على الزوجةِ الأولى وأولادها إنفاقًا مُساويًا للإنفاق على الثانية وأولادها؟ قائلا “وأترُك الإجابة للواقع الـمُرِّ، ولساحات القضاء التي تعجُّ بهذه المآسي..” وأكد الإمام الأكبر على أن الفَهم المعوج لآية «مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ»، وأنَّ الفتاوى التي طرقت أسماع العامَّة في مأساة «التعدد» اقتصرت على التركيزِ على أمرٍ مشروطٍ هو: إباحة مثنى وثلاث، وصمتت عن الشرط الذي هو التأكُّد من العدل، ومن عدم لحوق الضرر بالزوجة الأُولى، حتى أصبح المسلم الفقير المعوز يتزوَّجَ بثانيةٍ، ويترك الأولى بأبنائها وبناتها يعانين الفقر والضياع، ويتكففن الأهل والأقارب أعطوهنَّ أو منعوهنَّ، ولا يجد هذا الزوج حرجًا في صدرِه يردُّه عن التعسُّف في استعمال حق شرعي خرج به عن مقصدِه ومآلِه. ولفت فضيلة الإمام إلى أن هذا الفَهْم قد ترسخ حتى بات الجميع يتصور أن التعدُّد حقٌّ مباحٌ بدون قيدٍ ولا شرط، وترسَّخ في الوجدان أنَّه لا مسؤولية شرعية تقف دون هذه الرغبة حتى لو كان الباعث عليها شهوةٌ طائشةٌ أو نزوةٌ طارئةٌ، مؤكدا أن سبب الإشكال في هذا الأمر هو: تفسيرُ النُّصُوصِ في ضوءِ العادات، وليس تحكيم النصوصِ لتوجيه العاداتِ والتقاليد.
واستعرض فضيلة الإمام الأكبر حديث فضيلة الشيخ محمد الغزالي والإمام محمد عبده -رحمة الله عليهما- عن أزمات فقه المرأة، وتأكيدهما على أنَّ واقعَ المرأة العربية الإسلامية ليس من الإسلام في شيء، وأن الأمرَ يحتاج إلى مراجعةٍ ذكيةٍ للنصوصٍ والفتاوى الموروثة، مع ضرورة لفت الأنظار إلى الأضرار التي تلحقُ بالمرأة من جرَّاء تعدد الزوجات، لما فيه من احتقارٍ للمرأة، والألم الذي تشعُر به إذا كانت مُحبَّة له ومخلصة في محبَّته، وأنَّ الرجل المهذَّب المحترم، يصعب عليه النُّهوض بواجب الجمع بين زوجتين.
وفى النهاية أقول لكم أن ما تم سردة لم يكن بغرض إثارة الفتن أو اشعال النيران بين الرجال والنساء معاذ الله أن يكون هذا ما أصبوا الية، ولكن ما أردته توضيح فهم خاطئ ريما ينتج عنه خرابًا للبيوت وتدميرًا للأسر وشتاتًا للأطفال، فعلينا جميعًا رجالًا ونسائًا أن ندرك أننا لم نخلق لنشعل النيران والحروب بيننا، بل خلقنا لنكمل بعضنا البعض ويكون بيننا مودةً ورحمة تُعيننا على تحمل عسرات الحياة.