د. إيمان إبراهيم تكتب : المرأة وحديث الإمام (٣)
يعي الكثير منا مدى خطورة المغالاة في المهور على الشباب من الجنسين، سواء من ناحية زيادة العنوسة أو تأخر سن الزواج وانتشار الفاحشة وغيرها من التأثيرات السلبية الناتجة عن تلك المغالاة ، هذا في المطلق العام وبعيدًا عن ما تقره الشريعة الإسلامية في هذا الصدد، لاسيما في ظل الأزمات الاقتصادية التي تجتاح العالم بأثره.
فالبعض يشترط أن يتلاءم مهر الفتاة مع وضع وقدر الأسرة أو العائلة التي يريد الشاب الارتباط بها، وعليه الالتزام بالعرف السائد بداخلها هذه العائلة أو الأسرة، فنجد أن بعضها يغالى في طلب المهر بل وتُكبل الشاب بالمتطلبات التي ربما لا يقوى علي تلبيتها، وهنا يتضح أن هذه الأعراف والعائلات جعلت من الفتاة مجرد سلعة تباع وتشترى، بل وربما يصل الأمر في بعض الحالات للشد والجذب بين أهل الشاب والفتاة في التفاوض من أجل تخفيض ثمن هذه السلعة وفى حالة الرفض ربما نصل لترك السلعة “الفتاة” بتراجع الشاب وعزوفه عن تلك الزيجة، وذلك لعدم قدرته على دفع ثمنها!!
وهو ما يتنافى مع الإنسانية والظروف الاقتصادية، بل والشريعة الإسلامية، وهو ما أشار اليه فضيلة الدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر حيث قال أن المغالاة في المهور جعلت من الزواج أمرًا بالغ الصعوبة، حيث نادى النبي صلى الله عليه وسلم بخفض المهور، وأن في هذه المسألة تطالعنا نصوص شرعية أصيلة أُسدلت دونها ستائر النسيان حتى صارت من قبيل المتروك أو المسكوت عنه، سواء منها ما تعلق بيسر المهور، وتجهيز بيت الزوجية وتأسيسه، والاكتفاء فيه بأيسر الأشياء وأقلها قيمة، أو ما يتعلق بفلسفة الإسلام في قضية المهر، التي جعلت منه رمزا يعبر عن الرغبة القلبية في الارتباط، وليس مظهراً من مظاهر السفه أو البذخ والمباهاة، ومن فلسفة الإسلام في هذا الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل في قيمة «المهر» إلى ملء الكف طعاما، أو إلى خاتم من حديد، أو نعلين، بل اكتفى فيه بأن يعلم الزوج زوجته سورة من القرآن ولو من قصار السور، ولم يكن ذلك حطا من قدر الزوجة أو إزراء بشأنها، بل كان وضعا للأمور في موضعها الصحيح.
حيث كان يعلم أن المغالاة في المهور يحوله إلى سعرًا أو ثمنا وهذا لا يليق بمكانة المرأة، فقد نادى صلى الله عليه وسلم بقلة المهور ويسرها، وفعل ذلك عندما زوج ابنته فاطمة رضي الله عنها وأرضاها فكان مهرها درعاً وهو شيء بسيط، صلح مهرًا للزواج من سيدة نساء العالمين في الإسلام، وقد زوج صلى الله عليه وسلم امرأة، وقال لها: «رضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ قالت: نعم، فأجاز هذا الزواج».
كما أشار الدكتور احمد الطيب إلى أن قوله تعالى “وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا “النساء (20).
ليس تصريحًا بجواز زيادة المهور، وأن الآية واردة مورد التشديد على أن مهر الزوجة حق خالص لها، وأنه لا يجوز لزوجها أن يأخذ منه شيئا حتى لو كان الذي أعطاها من المهر قنطارًا من الذهب، فهي على سبيل المبالغة في اختصاص المرأة بحق المهر، وليس على سبيل إباحة الزيادة في المهر والمغالاة فيه.
وقال إن من المصالح المعتبرة التي ضاعت على المرأة بسبب عادات المجتمع وتقاليد الشعوب وتعارضها مع أحكام المرأة في شريعة الإسلام صراحة وتورية “مسألة المغالاة في المهور” والتي صمت العلماء صمتًا مريبًا عن ترسخها وتأصلها وتجذرها في عادات الناس حتى صارت العقبة الكؤود في قضية الزواج، وقد كان من واجب العلماء والدعاة أن يتصدروا لمقاومة هذه الظاهرة بأنفسهم وأولادهم وبناتهم، لحملهم على التخلص من هذه الظاهرة التي جعلت من الزواج أمرًا بالغ الصعوبة
وأوضح شيخ الأزهر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن فتح باب الغلاء في المهور أو المغالاة في تقديرها يحول هذا الرمز المعنوي المتعالي على المادة إلى كونه سعرًا أو «ثمنًا» تقدر به سلعة من سلع السوق التي يزيد سعرها ويهبط بالمساومة أو المفاضلة، ويلزم ذلك أن تصبح مهور الطبقة الثرية أقدر على التعبير عن «الحب» أو «الرابطة القلبية» من مهور الطبقات الفقيرة، وهذا خلاف الواقع الذي يثبت استواء الشعور في هذه العاطفة عند الناس، ويدلنا على ذلك ما يطالعنا به الواقع بين الحين والآخر من أن فتاة من ذوات الثراء يرتبط قلبها بفتى مستور الحال، وتشعر بسعادتها في جواره، رغم الفروق المادية الصارخة بينها وبينه وتفضله عن غيره الذى تتناسب قدرته المادية مع ثراء عائلتها، والعكس صحيح.
وفى نهاية الأمر علينا جميعًا نحن الآباء والأمهات أن نتقى الله في أبنائنا، ونحرص علي عدم إيذائهم، متوهمين أن المغالاة في المهر يعلى من قدرهم لمجرد الامتثال للعادات والتقاليد او المباهاة والتفاخر، الذي ابتدعته بل واعتمدته بعض المجتمعات والأسر، التي حصرت با ورسخت في أذهان البعض أن قيمة الشاب أو الفتاة تنحصر في غلاء المهور، وهو ما يتنافى مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم بل والواقع الذى نعيشه.