مقالات الرأى

د.أمانى فاروق تكتب: الصراع الإنساني .. طريقٌ للنمو أم حجر عثرة !؟

0:00

منذ أن وطأت قدم الإنسان هذه الأرض، وهو يخوض صراعات لا تنتهي. صراعٌ مع الطبيعة، صراعٌ مع الآخر، وصراعٌ مع ذاته.
في قلب الحياة العملية والمهنية، وبين صفحات الحياة الشخصية، تتجلى هذه الصراعات لتصيغ معالم شخصيته ومسار حياته، فمتى يكون الصراع مدخلاً للإبداع والتقدم؟ ومتى يصبح قيداً يكبّل خطواتنا نحو الأمام؟
في عالم العمل، حيث تتقاطع الأهداف والرؤى، يُصبح الصراع ضرورة لا محيد عنها، ففي اختلاف الآراء وتعدد الرؤى، يولد الابتكار. إلا أن الأمر لا يخلو من التحديات. فالصراع المهني قد يكون أداةً لإحداث تغيير إيجابي داخل المؤسسة، حيث يُساهم في ارتفاع مستوى الأداء وبالتالي تحقيق نتائج أفضل، لكنه قد ينقلب إلى صراعٍ مدمر إذا فُقد التوازن، وحين تُغلب المصالح الفردية على المصلحة العامة.
أما على الصعيد الشخصي، فالصراع مع الذات والآخر يشكّل جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. فالإنسان، بطبيعته، يسعى للانسجام والتوازن بين مشاعره ومتطلباته، وبين طموحاته وواقعه. هنا، يمكن أن يكون الصراع نافذةً نحو اكتشاف الذات وتحقيق النمو الشخصي. ولكن حين يُصبح هذا الصراع دائماً ومحتدماً، فقد يقود إلى الانعزال والتوتر النفسي.
وفي أعماق النفس البشرية، ينشب صراعٌ أزلي بين الخير والشر. هل الإنسان بطبيعته يميل للخير أم الشر؟ تلك الأسئلة التي أرهقت الفلاسفة والمفكرين على مر العصور. لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن هذا الصراع هو جزء من طبيعة الإنسان المركبة. ففي كل لحظة، نقف في مفترق طرق: هل نسلك طريق الخير، ونُعلي من شأن القيم الإنسانية، أم نستسلم لرغباتنا السلبية؟ الصراع بين الخير والشر ليس معركة تُحسم مرة واحدة، بل هو صراعٌ يومي يتجدد مع كل اختيار نتخذه، وكل قرار نواجهه.
من هنا يأتي الصراع في اتخاذ القرارات الهامة والمصيرية، قلبي أم عقلي؟ هل أسلك الطريق السهل أم الطريق الأصعب الذي قد يحمل فرصاً أكبر؟ هذه التساؤلات تضع الإنسان أمام معضلات حياتية حاسمة. النجاح في هذه القرارات يعتمد بشكل كبير على القدرة على الموازنة بين الرغبات الشخصية ومتطلبات المجتمع والوطن. فحين يستطيع الإنسان تحويل هذه الصراعات إلى قرارات تخدم مصلحته الشخصية من جهة، وتُساهم في تحسين مجتمعه ووطنه من جهة أخرى، يكون قد نجح في استثمار هذا الصراع بالشكل الأمثل و لصالح الجميع.
لكن السؤال الأهم يبقى: كيف نحول الصراع بين الأفراد، خاصة بين الشباب، إلى منافسة شريفة تُعزز من قيمة التعاون والتطور؟ هنا يأتي دور المجتمع في تعزيز ثقافة المنافسة النزيهة، التي تسعى إلى رفع المستوى العام، وليس الصراع المدمر الذي يزرع الانقسام. إن تحويل الصراع إلى منافسة شريفة بين الشباب يساعد في تنمية الطاقات، بل ويمنحهم الدافع ليكون كل واحد منهم الأفضل في ماعته بناءً على جدارته وكفاءته.
فهذه المنافسة الشريفة يمكن أن تكون حافزاً للإبداع والابتكار. إذا توافرت بيئة تنافسية صحية تحترم قيم النزاهة والعدل، فسوف ينتج عنها جيلٌ من الشباب الذي يتنافس على تحقيق التقدم الشخصي والمجتمعي، مما ينعكس بالإيجاب على الوطن ككل، فالمجتمع الذي يشجع أفراده على التنافس الشريف هو المجتمع الذي يتمكن من النهوض والازدهار.
في ظل هذه المنافسة الشريفة، يمكن للشباب أن يتعلموا كيفية تحويل اختلافاتهم إلى فرصٍ للتعاون، بدلاً من أن تكون سبباً للتنافر. إن الصراع الذي ينبع من الرغبة في التفوق يجب أن يكون مُوجهاً نحو تحقيق إنجازات ملموسة تفيد الجميع. هنا، يصبح الصراع محركاً للإبداع، حيث يسعى كل فرد إلى تقديم أفضل ما لديه، مع احترام قدرات ومواهب الآخرين.
إن الصراع ليس إلا مرآةً لما يدور في أعماق الإنسان، وما يحيط به من تحديات وفرص. هو تلك اللحظة التي نقف فيها على أعتاب القرار، بين خوفٍ ورغبة، بين قوة وضعف، بين أمل وخيبة. ولكنه، رغم كل ما يحمل في طياته من مشاعر متضاربة، هو المحرك الأساسي للنمو. الصراع هو القوة الدافعة التي تدفعنا للبحث عن حلول، لتحسين ذواتنا، وللتنافس من أجل الأفضل.
لقد رأينا كيف يستطيع الصراع في الحياة المهنية قد يكون باعثاً على الإبداع والتطور إذا ما أُحسن استثماره. ورأينا كيف أن الصراع الشخصي مع الذات قد يُفضي إلى اكتشاف عوالم داخلية جديدة تجعلنا أكثر حكمة وقوة. والأهم، كيف أن الصراع الداخلي بين الخير والشر هو المحرك الأساسي لتحديد مسارات حياتنا، ولبناء الشخصيات التي تساهم في ازدهار المجتمع.
أما على المستوى الأوسع، فإن تحويل الصراع إلى منافسة شريفة بين الشباب في مجتمعاتنا المصرية والعربية هو السبيل لخلق جيلٍ واعٍ، يُدرك أهمية النزاهة والعدالة في تحقيق النجاح. تلك المنافسة التي تُعلي من قيمة الإنسان وتجعله يتفوق بجدارته، لا بوسائل غير أخلاقية.
في نهاية المطاف، نصل إلى خلاصة واحدة: الصراع ليس سلبياً بطبيعته، بل هو أداةٌ بيد من يُحسن استخدامها. هو السلم الذي نصعد به نحو تحقيق أهدافنا، إذا ما أدرنا دفته نحو الخير، والتطور، والتعاون. فمن خلاله نصل إلى الغايات الأسمى، ليس فقط على المستوى الشخصي، بل على مستوى الأمة كلها. وبهذا، يكون الصراع قد تحول من مجرد خلاف، إلى قوة بنّاءة تدفع المجتمع نحو التقدم والنهوض.
——-
مدير مركز التدريب والتطوير بمدينة الانتاج الاعلامى

زر الذهاب إلى الأعلى