دكتور عماد عبد البديع يكتب : من ذكرياتي مع القضية الفلسطينية
لا يوجد بيت في مصر إلا ويتعاطف مع الشعب الفلسطيني، ولا يوجد أحد من المصريين إلا ويناصر حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة، حتى الأطفال في البيوت في وسط لعبهم ولهوهم تسمع كلماتهم وأناشيدهم المدعمة لفلسطين واللاعنة لإسرائيل، وحتى التلاميذ في المراحل الابتدائية تجدهم يكررون كلمات على نحو ” أنا طفل فلسطيني.. أنا أرضي تناديني ” و ” أنا بكره إسرائيل ” … وكأنهم بدون وعي وبالفطرة يناصرون أندادهم من أطفال غزة الذين سلبوا حقهم في الحياة !!
هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان، وكأن حب فلسطين ونصرة القضية الفلسطينية جينات تسري في دم ووريد المصريين كبارا وصغار أطفالا وشيوخا. وليس هذا بغريب في ضوء ما قدمته وما تقدمه مصر وما ستقدمه للقضية الفلسطينية .
ما زلت أذكر حين كنت طالبا بالمرحلة الاعدادية، وكنت قد تقدمت صباح ذلك اليوم لإلقاء قصيدة بالإذاعة المدرسية تحت عنوان “آه آه يا فلسطين”، وكان ذلك عقب الانتقاضة الفلسطينية واقتحام شارون للمسجد الأقصىى، والمذابح والجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وكان الجو وقتها – مثل اليوم- مشحونا بالكره والغضب جراء الاعتداء الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
وكان الحال كذلك لدينا نحن الطلبة أو التلاميذ الصغار ، وكانت دهشتنا عارمة واستيائنا لا حد له حين شاهدنا كاريكاتيرا نشر في إحدى الصحف، وقد علق على مجلة الحائط بالمدرسة، وفيه رسم لشارون على هيئة جزار وجلبابه وفمه ملطخ بالدماء الغزيرة، ويحمل بيده ساطورا يرفعه على إحدى الفتيات الفلسطينيات الملاقاة أمامه على المنضدة وهي تصرخ وتستغيث !!
خرجت في ذلك اليوم وبدأت في إلقاء القصيدة التي كانت تحمل عشر أو إثنى عشر بيتا على ما أتذكر… وحين وصلت الى البيت الذي يقول ( أين شجاعة الإسلام؟ أين صلاح الدين؟ … أين بطولة الإسلام في موقعة حطين؟ ) إذ وأجد المدرسة على بكرة أبيها بمدرسيها وتلاميذها ومديرها تنهال بالتصفيق الحار والإعجاب بهذه القصيدة وبذلك الطالب الصغير الذي يدافع عن فلسطين!
وما أن أنتقل إلى بيت أخر من أبيات القصيدة حتى وأجد أحد المدرسين وبصوت عالي وبحرارة يقول: صفقوا لزميلكم. أتذكر أن زملائي وأساتذتي في ذلك اليوم صفقوا لي ثلاث أو أربع مرات في سابقة لم تحدث من قبل ! وكان أخر بيت في القصيدة يقول ( واسمك يا فلسطين سيظل في العلا … واسم العدو هيكون في الطين ) .
وبعد أن انتهيت من إلقاء القصيدة، وسط جو مفعم بالحماسة والحرارة، وتشجيع أساتذتي وزملائي، شعرت وقتها وكأنتي أخذت جائزة الأوسكار أو قل حصلت على جائزة نوبل !
يشهد الله أن كل منا يتطلع الى ذلك اليوم الذي الذي يصبح فيه الحلم حقيقة، ونجد فلسطين دولة مستقلة ذات سيادة مثلها مثل بقية الدول، وأن ينتهي أخر أحتلال في العصر الحديث، وأن ترد الحقوق الفلسطينية المغتصبة… ولكن يبدو أن الضريبة باهظة وأن الثمن الذي دفع ليس كافيا !