خالد اسماعيل يكتب: سهيرالقلماوى ..الأم الحقيقية لمعرض القاهرة للكتاب
منذ ساعات انطلقت فعاليات معرض القاهرة للكتاب ، وكانت أولى دوراته فى العام “1969”، وكان المكان فى قلب العاصمة ،ثم انتقل إلى “مدينة نصر”،واليوم هو فى موقع مختلف عن السابقين ،لكنه مازال يمثل علامة على أن زمن “الثقافة الوطنية” مازال قادرا على الصمود والتصدى لرياح العولمة ،ورياح الرأسمال الباحث عن الربح السريع دون النظر للثقافة باعتبارها ضرورة لحيوات الناس، ولو تأملنا ظروف تأسيس معرض القاهرة للكتاب من وجهة سياسية ،فسوف نجد أن انطلاق دورته الأولى ، حدث فى ظل “حرب الاستنزاف “،التى قادها رجال العسكرية المصرية الوطنيون “الفريق محمد فوزى والفريق عبدالمنعم رياض وأخرون”،وكانت “مصر” فى الفترة ذاتها ترفع شعار”قومية المعركة ضد إسرائيل” بمعنى أن القتال ضد “المشروع الصهيونى ” يجب أن يكون بمشاركة الأمة العربية كلها ، لأنه مشروع استعمارى يستهدف إضعاف الوجود السياسى والثقافى العربى ،ورغم ارتفاع “فاتورة” الحرب ،لم تنس “مصر” قضية الثقافة ،وقضية “الوجدان العربى “الذى كان ـ الكتاب المطبوع ـ يمثل الأداة الرئيسة لبنائه، واختارت “سهيرالقلماوى ” اللحظة المناسبة لإطلاق “معرض القاهرة الدولى للكتاب”،وهى التلميذة النجيبة فى مدرسة “طه حسين”، التى حاولت اللحاق بكلية الطب ، لتكون طبيبة مثل والدها ، وحالت لوائح الكلية دون قبولها ، فالتحقت بكلية الآداب فى عهد العميد “طه حسين” ، فتولاها بالرعاية ،وهو الذى اقترح عليها دراسة “أدب الخوارج” فى “رسالة الماجستير”وفى الدكتوراه اختارت ـ رحمها الله ـ موضوعا صعبا ومهما ، هو “ألف ليلة وليلة “، وهو الكتاب المشهور فى العالم كله تقريبا ،فسافرت إلى العواصم الأوربية لتتبع أصول هذا الكتاب الموجودة فى مكتبات الجامعات فى “باريس ” و” لندن “، وتتبع الأعمال النقدية والتحليلية التى عملت فى “الليالى العربية “، وانتهى المطاف بها إلى “جامعة فؤاد الأول ” لتقدم رسالة الدكتوراه عن هذا الكتاب المركزى فى الثقافة العربية ،احتوت على تصنيف لموضوعاته ، وبيئات حكاياته ، ومصادرها الأولية ،وحددت “الحكايات المصرية” و”الحكايات الهندية ” وشرحت العلاقة بين هذه الليالى و”القصاص”العربى الذى كان يسرد هذه الحكايات ويسجل فيها أحلامه وآماله ومصادر ثقافته الدينية والمرويات الموروثة منذ اتصال العرب بالحضارات القديمة فى فارس والهند والصين ومصر،ومازال هذا البحث العلمى الرصين الذى قدمته “سهير القلماوى ” للمكتبة العربية ،ونشرته فى كتاب فى أربعينيات القرن الماضى “بمقدمة طه حسين” هو”العمدة” الذى لاغنى عنه لباحث فى الأدب الشعبى العربى ،ولما أصبحت ـ القلماوى ـ مسئولة عن “صناعة الكتاب ” فى مصر من خلال موقعها فى وزارة الثقافة ،قدمت المبدعين الموهوبين ، وربطت بين “النشر” و”الموهبة “،وكان نشر الكتب فى تلك الحقبة حكومياً ،صعب المنال على كثيرين من الكتاب والنقاد والباحثين ،واستطاعت أن تعلم قطاعات واسعة من الشباب المصرى محبة القراءة ومحبة اقتناء الكتب ،وظل “معرض القاهرة للكتاب” فى مقدمة المعارض العربية ،لعشرات السنوات ، وكان “جمهور المعرض” يزحف سعيدا وراضيا نحو ـ أرض المعارض ـ ليستمع قصائد “محمود درويش ” و”الأبنودى ” و”عبدالمعطى حجازى ” و”سيد حجاب” وغيرهم ، وكانت أسعار الكتب مناسبة لجيوب الطبقة المتوسطة ،ورغم كل التغيرات التى لحقت بالكتب وصناعتها وتأليفها ونشرها ، مازال معرض القاهرة للكتاب ،يلقى اهتمام الشباب من مصر والوطن العربى عموما ،ومازالت دور النشر العربية الكبرى تحرص على المشاركة فيه ،رحم الله دكتورة سهيرالقلماوى ،الأم الحقيقية لهذا المعرض الكبير العريق المهم للثقافة الوطنية المصرية ومكانة المثقفين المصريين والعرب فى بلادنا من المحيط إلى الخليج.