مقالات الرأى

حسن الشايب يكتب: عولمة الدجل والشعوذة!!

0:00

عندما تأتيني طلبات صداقة على فيسبوك، عادة ما أتصفح بيانات ومنشورات صاحب الطلب للتعرف عليه وعلى نوعية أصدقائه التي تكشف جانبا كبيرا من شخصيته وأفكاره وانتماءاته، وذلك قبل الموافقة على صداقته.
ومن بين طلبات الصداقة التي أتلقاها يوميا عبر فيسبوك، توقفت طويلا أمام صفحة أحدهم التي تتضمن منشورات كلها دجل وشعوذة، وهذا ليس غريبا ولا مستغربا في أي دولة عربية يعاني معظم أهلها من الأمية والجهل والتخلف الحضاري، لكن مكمن الخطورة هو أن تكون الصفحة مكانا لممارسة الجرائم تحت سمع وبصر الملايين وغياب وتجاهل وصمت جميع الأجهزة الأمنية والرقابية المختصة التي عادة ما لا تترك شاردة ولا واردة لناشطين أو معارضين إلا وترصدها وتتابعها وكثيرا ما تحاسب المتجاوزين منهم.
معظم المنشورات التي وجدتها على صفحة صاحب الطلب عن إعلان عن الشيخ محمد ….. أقوى الشيوخ في العالم العربي، المتمكن من كشف واستخراج الكنوز والدفائن والآثار من باطن الأرض في الأردن ومصر وليبيا والجزائر وجميع الدول العربية مجانا، والكشف وقراءة الطالع الفلكي الروحاني وفك وإبطال السحر الأسود والأحمر والأبيض وعلاج الصرع والمس الشيطاني وعلاج أمراض الجسم الناتجة عن السحر ومسائل تسخير قلوب الناس بالمحبة والقبول، ومسائل جلب الحبيب والخطوبة والزواج، وفك التابعة والنحس، ووقف الحال ورواج التجارة وجلب الحظ في الأعمال وجلب الزبون وتسهيل البيع والشراء وتنزيل الأموال، والمحبة والجمع بين الزوجين.
وحتى لا أساهم في ترويج مثل هذه الخزعبلات، فلن أستطرد في صفات ومهارات ومعجزات صاحب الفضيلة والعلامة ملك الدجل والشعوذة، والذي لا يُوجد طلب أو أمنية إلا وهو قادر على تحقيقها مهما كانت مستحيلة.
المؤكد إن السحر والشعوذة ظاهرة ليست حديثة وإنما لها جذور ممتدة منذ القدم، وقد تناولتها العديد من الأعمال السينمائية، ومع ذلك لم يتم مواجهتها كما ينبغي بسبب غياب أو ضعف القوانين العربية في التعامل مع هذه الظاهرة التي استشرت كالنار في الهشيم بين مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية ومن بينها مشاهير الفن والسياسة والمال وغيرهم، وللأسف لا يُوجد بالقانون المصري تجريم لظاهرة الدجل والسعوذة وإنما يعاقب عليها كجريمة من جرائم النصب طبقا لنص المادة 336 من قانون العقوبات المصري.
وما زاد من انتشار هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة في عالمنا العربي، تشجيع بعض الفضائيات العربية لها من خلال ترويج إعلانات عن برامج السحر وجلب الحب والسعادة والمال وغيرها، فضلا عن استضافة بعض هؤلاء المشعوزين والدجالين، وتخصيص فقرات وبرامج مطولة لأحاديثهم وقدراتهم الخارقة، سعيا وراء مزيد من الشهرة وتحقيق أعلى نسبة مشاهدة وجلب مزيد من الإعلانات، دون احترام لعقلية المشاهدين البسطاء الذين يتعرض كثير منهم للخداع.
وما يشير إلى خطورة ظاهرة السحر والشعوذة وانتشارها، ما ذكرته دراسة بحثية للمركز القومى للبحوث الجنائية، من أن المصريين ينفقون حوالى 10مليارات جنيه سنويًا على قراءة الغيب وفك السحر والعلاج من الجان، وهناك حوالي ربع مليون دجال يمارسون أنشطة الشعوذة فى العالم العربى، وأن هناك حوالي 200 ألف شخص فى مصر يدعون العلاج من الأمراض من خلال تحضير الأرواح.
وحسنا فعل مجلس النواب المصري بتقديمه مشروع قانون لتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، ومن بينها تشديد عقوبة السحر والشعوذة، حيث يتضمن معاقبة الدجَّال والمواطن الذي لجأ له، وهو ما نفتقده في القانون الجنائي المصري الحالي. ومن شأن هذا التعديل مواجهة هذه الظاهرة الشيطانية المدمرة التي تهدد المجتمع واستقراره، خاصة وإن علماء الدين اتفقوا على تحريم ممارسة السحر شرعا، مستدلين بقوله تعالى: {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر). البقرة 102. وصدق رسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في قوله: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).
*ومضة: ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما يلج في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر طوارق الليل والنهار، ومن شر كل طارق يطرق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن).

زر الذهاب إلى الأعلى