مقالات الرأى

حازم عبده يكتب : ورثة الجهلاء

إذا كانت الخمر أم الخبائث، فإن الجهل هو أبو الخبائث وعمها وخالها وجدها، فبالجهل ترتكب كل الجرائم وإن كانت الخمر منقوعاً يتجرعه الإنسان بكامل إرادته، فإن الجهل يتسلل إليه دون أن يدري من أي الأبواب يدخل وهو يجري منه مجرى إبليس والدم معاً.
بالجهل يتخلف الإنسان وينافس الحيوان في حياة الغاب، وبه يقتل أخاه الإنسان، وبه يقتل نفسه، وبه أكلت البلهارسيا أكباد المصريين وكلاهم، وبه فقد طه حسين نور عينيه وبه تلبس الجن بالمسلمين دون غيرهم، وبه تستباح الحرمات وتشتعل الحروب، وتخرب الدور، وبه تسرق الأوطان.
وعلى الرغم من التقدم العلمي المذهل بخاصة في وسائل الاتصال ونشر الحقائق العلمية إلا أن سلطان الجهل مازال محتفظاً بقوته وجبروته وهيمنته على مختلف شعوب الأرض وما أكثر، وما أغرب قصص الجهل، فقبل سنوات أراد رجل هندي إرضاء الآلهة فأقنعه مشعوذ بضرورة قطع رأس طفل، فما كان من الرجل إلا أن استدرج طفلاً، وقطع رأسه ثم قطعه إربا ليقدمه أضحية إلى الآلهة الهندوسية كالي.
ولا تزال في باكستان ودول أفريقيا قبائل ترفض التطعيمات ضد الأمراض جهلاً واعتقاداً بأنها حرام، حتى أن الأزهر اضطر أكثر من مرة لإصدار فتاوي للتشجيع على التطعيمات، أما مالاوي الواقعة جنوب شرق أفريقيا، فسكانها مثال للعجب ومن قصصها أن حكومتها أطلقت “برنامج ختان الذكور الطبي المجاني”، لمنع نحو 92 ألف إصابة جديدة بالإيدز، حيث تقلل عملية الختان من احتمال انتقال عدوى الإيدز بنسبة 50 إلى 60 % غير أنها فوجئت بعزوف عن البرنامج لا لشىء إلا لاعتقاد الناس بأن الجزء الذي سيتم استئصاله سيباع ويستخدم في أعمال السحر والشعوذة.
وتعد ملاوي من أكثر البلدان التي ينتشر فيها الإيدز بسبب الجهل، ومن مصائب الجهل طقوس “كولوا كوفا”، أو التطهير الجنسي، والتي تقضي أن يمارس أحد الرجال الجنس مع الأرملة لتهدئة الروح الشريرة للمتوفى ويعتقد سكان مقاطعتي “شاير” السفلى أن روح الرجل الميت الشريرة يمكن أن تصيب الثكلى بأمراض فتاكة، إذا لم يتم تنفيذ طقوس التطهير الجنسي فيتم استئجار رجل، ويوجد في كل قرية “مطهر” محترف يأتي لتنفيذ المهمة، وتتراوح رسوم التطهير ما بين ألفي كواتشا مالاوية إلى 8 آلاف كواتشا (ما بين 4 و16 دولارا أمريكيا)، وكذلك طقس “فومبي كوتشوتسا”، وتعني “إزالة غبار العذرية”. حيث يشترط على العذارى عند سن البلوغ ممارسة الجنس كوسيلة لـ”التخرج” من العذرية، أما طقس “فيسي”، الذي ينتشر في بعض مناطق ملاوي فهو إرسال المرأة التي تفشل في الحمل إلى رجل آخر حتى يتمكن زوجها من “حفظ ماء وجهه.
بكل أسف ورثة الجهل والجهلاء يزيدون ولا ينقصون ولا حل معهم: فلا تدخل على الثور من الأمام، ولا على الحمار من الخلف ولا تدخل على الجاهل من أي جانب.

زر الذهاب إلى الأعلى