مقالات الرأى

حازم عبده يكتب: باكو مدينة الرياح والجمال(1)

0:00

الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى العاصمة الأذربيجاني باكو يوم الجمعة الماضي
ولقائه مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ،أثارت بداخلي الحنين إلى باكو التي سكنت وجداني منذ زيارتي الأولى لها عام 2018، فهي مدينة لا تملك إلا أن تحبها فهي كالقاهرة تجمع كل أبناء أذربيجان ذلك الشعب العريق الأصيل الكريم المضياف العاشق للفن والعلم والإبداع المعجون بالشعر والأدب والتصوف.
تقول الحكاية المتوارثة في أذربيجان: إن أستاذاً أراد اختبار طلابه فسألهم: متى يأتي الشتاء في باكو؟ فكانت الإجابات: في نهاية الصيف أو نوفمبر أو بعد فصل الخريف، والأستاذ يقول: إجابة خاطئة، طالب واحد فقط أجاب: يأتي الشتاء في باكو عندما تهب الرياح. وهنا قال الأستاذ: جواب صحيح.
لم أدرك المعنى الكامن خلف هذه الحكاية إلا عندما زرت باكو، وكانت درجة الحرارة تشير إلى 12 مئوية مع سماء صافية وجو مشمس، ودون مقدمات هبت الرياح وتلبدت السماء بالغيوم وانخفضت درجات الحرارة إلى ما دون الثلاث درجات، ولا أظن أن شتاءً يحتمل بالنسبة لنا سكان المناطق الحارة أكثر من ذلك، ولكن من رحمة الله بنا أن هدأت الرياح وعاودت الشمس بزوغها لتبعث فينا الدفء، وتعيد إلينا بعض صيفنا المفقود.
تختلف الروايات والحكايات حول أصل تسمية باكو، المدينة الحالمة النائمة باطمئنان في أحضان بحر قزوين على شاطئه الغربي، تحديداً على الشاطئ الجنوبي لشبه جزيرة آبشوران، عامرة بخضرتها وغاباتها، ثرية بشعبها الجميل المتسامح المتصالح، وثقافتها وبناياتها العتيقة والحديثة، الواثقة من خطاها، وجذورها الضاربة إلى ما قبل التاريخ، حتى العصور الحجرية والبرونزية وصولاً إلى عصر النفط والنهضة الحديثة. إنها تذكرني بجميلتي الأخرى الرباط المغربية النائمة في أحضان المحيط الأطلسي على شاطئه الشرقي تغازل نهرها أبي الرقراق، بتاريخ عريق، وجمال فريد، وخضرة تسر الناظرين، غير أن الرواية الأقرب إلى القبول عندي أن اسم باكو مشتق من كلمة فارسيَّة قديمة هي “باد-كوبه”، وتعني “ريح منضربة” وبالتالي يقصد بها “المدينة التي تضربها الرياح”، حيث أن “باد” تعني ريح وكوبه مُشتقة من الفعل “كوبیدن” بمعنى يضرب، وبهذا فإن الاسم يشير إلى موقع الرياح العاتية على ساحل بحر قزوين، وبعدما عانيت من رياحها، أذهب صريرها النوم عن أجفاننا وألزمنا مساكننا، لا أرجح إلا هذا التفسير لتسمية باكو.
ما أكثر المواقف والطرائف التي أتعرض لها خلال أسفاري في مهمات عمل، كانت هذه الزيارة بدعوة من سفير أذربيجان لدى السعودية ومندوبها لدى منظمة التعاون الإسلامي الدبلوماسي وسفيرها الأسبق لدى مصر القدير السفير شاهين عبداللاييف، ضمن برنامج الوفود الإعلامية في اتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي. ضم الوفد إلى أذربيجان ثمانية من الزملاء والأصدقاء، وهم: زايد عبد الله المدير المساعد للاتحاد، والدكتورة جيهان ناصر فلمبان من إدارة الإعلام بمنظمة التعاون، وقيس الفارسي نائب رئيس تحرير وكالة الأنباء العمانية، وعبدالرحيم الزهراني مدير مكتب وكالة الأنباء السعودية بالمدينة المنورة، وعبد الرحمن مبارك مدير تحرير وكالة الأنباء البحرينية، وعلي السيد مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، وسعود الجنيبي رئيس الأخبار بوكالة الأنباء الإماراتية، وسلمى الهاني محررة الشؤون السياسية بوكالة تونس أفريقيا للأنباء.
بدأت المواقف معي مبكراً، على باب الطائرة في مطار حيدرعلييف كنت أنتظر تلك اللحظة التي تستقبلني فيها صالة الضيوف وتنطلق بي السيارة إلى الفندق، حيث السرير الذي بدا حلماً بعيد المنال، فاليوم الاثنين وأنا منذ يوم السبت لم أنم حيث ذهبت لمكتبي صباحاً، وغادرته في العاشرة والنصف مساءً لأعود إليه في الواحدة بعد منتصف الليل لأسافر إلى المدينة المنورة ومنها إلى الرياض ثم جدة مرة أخرى، ومن مطار جدة مباشرة إلى اسطنبول ومنها إلى باكو، فإذا بفتاة جميلة أنيقة بيدها لافتة كتب عليها اسم واحد فقط من الوفد، وهو الزميل على السيد الذي انضم إلينا في إسطنبول، حاولت، بلا جدوى، إقناع الفتاة بأننا وفد واحد، وأن معي المدير المساعد وممثلة منظمة التعاون الإسلامي، والرد حاسم وصارم وقاطع: أسماؤكم ليست في الكشف لن يذهب معي إلا Ali alsayed ، حاولت الاتصال لكن الجواب كان محبطاً، سلمت لها علي السيد، واستسلمنا لنخرج من الصالة العادية لا نعرف إلى أين، ولا نعرف اسم الفندق، حتى فكرنا في العودة إلى اسطنبول، ولكن أنقذنا (الواي فاي) المفتوح في المطار فتواصلت مع الصديق عمران صادقوف في سفارة أذربيجان بالرياض الذي أجرى اتصالاته، فجاءنا مرافقنا ومترجمنا طوال الرحلة الخلوق الجميل، كامل شريفوف، أمام المطار لاستقبالنا وأصر أن يدخلنا إلى صالة الضيوف لنلتقي هناك رفيقنا على السيد مستمتعاً بواجب الضيافة، انطلقنا بعدها إلى فندق البولمان حيث اللقاء الأول بالسرير بعد أكثر من 48 ساعة من الفراق. وللحديث بقية

زر الذهاب إلى الأعلى