مقالات الرأى

حازم عبده يكتب: الرشاد في النقد والجواب

0:00

في أواخر 2017 قام نظام عمر البشير في السودان بتأجير جزيرة سواكن في البحر الأحمر لتركيا، فهاجت الدنيا وماجت، وهذا أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي ما حدث من بعض إعلامنا الذي فتح النار على السودان حكومة وشعباً ونظاماً وثقافة وأصلاً وفصلاً وعرقاً، وراح البعض يسخر ويسب ويلعن، وخرج علينا زميل إعلامي ليتهكم على كل شيء في السودان، ويقلل منه حتى أنه سخر من أهرامات النوبة في السودان، وقال: إنها مثلثات جبنة.
كانت النتيجة تأجيج السخط الشعبي والثقافي في الشارع السوداني تجاه كل ما هو مصري، وقتها كتبت مقالاً بعنوان “الفراغ الأفريقي” طالبت فيه بوقف فوري لكل الحملات المسمومة الهوجاء البالغة الغباء تجاه الشعب السوداني الشقيق وثقافته وحضارته، فهو منا ونحن منه، وهو عمقنا وشريك حياتنا وحضارتنا، ورصدت فيه الفراغ الأفريقي العظيم الذي أحدثه انسحابنا من القارة الأفريقية، وليس من السودان فقط، منذ محاولة اغتيال الرئيس الراحل حسني مبارك في أديس أبابا، وكان من الجيد في ذلك أن توقفت هذه الحملات البلهاء.
تكرر الشيء نفسه هذا الشهر (فبراير 2023 ) بعد قيام كاتبين من دولة شقيقة بالتغريد على حسابيهما الشخصيين في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” وتوجيه النقد لبعض الأوضاع في مصر وعقد مقارنة بين مصر قبل 52 وما بعدها، وكان من الممكن الرد على كل ما كتبا ومناقشته وتفنيده، وهو كلام قابل لذلك، فما زال الخلاف قائماً بين المؤرخين حول معالجة الأزمة المالية في عهد الخديو إسماعيل، وهل هو أصاب أم أخطأ.
كان الرد عجيباً من أحد منابرنا بكل أسف، حشد أكبر قدر من المفردات التي لا تليق بعلاقة شعبين وثقافة واحدة وأشياء يعرفها القاصي والداني، ولا تليق بمصر الكبيرة، فكانت النتيجة ردود فعل ما كنا نود أن نسمعها، وإلحاق أضرار بالكثير من أبناء مصر في منطقة الخليج ولو معنوياً، لقد عشت ثمان سنوات في الخليج واقتربت من قنصليتنا بجدة، وعشت مئات المشكلات المعقدة مع المصريين هناك، وكانت تنجح القنصلية في حل معظمها، ولا تقف عاجزة عن الحل إلا حين يتدخل إعلامنا غير الرشيد في القضية فتزداد تعقيداً، فمن يجلس على منبر إعلامي لا يعرف طبيعة ما يحدث على الأرض، فيتعامل بغوغائية، وكأنه الحاكم بأمر الله في الأرض.
نريد أن نصل إلى مرحلة الرشد في الكتابة، أن ندرك حجم وطننا، وقدر إخواننا، وأن نقدر الأمور بقدرها، ونختار لها ردودها ومفرداتها و ألفاظها وسياقاتها، ونفرق بين النقد و”الردح” وندرك بعض المواقف المرتبطة بالمصالح، فمصلحتك قد تتعارض مع مصلحة أخيك ابن أمك وأبيك، فما بالك بمصالح الدول والشعوب، وأن القلم أمانة إن لم تكتب به ما يضىء ويصنع قيمة، و يقرب ولا يفرق، يسمو ولا يحقر، فاكسره، وأغلق عليك دارك وارحمنا وارحم وطنك وشعبك.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه، قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه. الرشاد في النقد والجواب

زر الذهاب إلى الأعلى