مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: يا رب يا ساتر

0:00

لا ينفك المصريون دائمًا أبدًا يطلبون سترَ الله في حياتهم، ودعاؤهم بالستر يكون أحيانًا عن وعيٍ وفَهْمٍ وقصد، ويكون أيضًا بالسليقة (الفِطرة والطبيعة) فلا يُمكن للفطرة أبدًا أن تنسى اللهَ أو تجحدَ فضلَه ونعمتَه، فسترُه هو السترُ الذي إن حدث فلا كاشفَ لأسرارِك كلها.

(يا رب يا ساتر _ استرها يا رب _ استرها علينا يا رب _ استرها معانا يا رب) كلماتنا التي نرددها حتى عند اقتراف الذنب؛ فنعمةُ الستر التي تصون لنا قيمتَنا في أعين الناس وتحفظ ماءَ وجوهنا، مِن أجَلِّ النِّعَمِ علينا، ونعمةُ الستر من مدِّ اليد وطلبِ الحاجة مِن أجَلِّ النِّعَمِ علينا، لذلك ترانا ندعو: (اللهم لا تجعلْ حاجتَنا بيدِ أحدٍ من خلقِك، ولا تجعل انكسارَنا وضعفَنا إلا لك). ولمَّا كان الناسُ لا يستغني بعضُهم عن بعض فإننا ندعو الله: (اللهم لا تُحوجنا لشرار خلقك، الذين إذا أَعْطَوْا مَنُّوا، وإذا مُنِعُوا عَابُوا). ولعل المرءَ يحتاج إلى الستر عند عمل الخير أيضًا، يقول الصالحون: (اجعلْ لنفسِك خبيئةً مِن عملٍ صالح لا يَطَّلِعُ عليه أحدٌ إلا الله، فكما أن ذنوبَ الخلوات مهلكات فكذلك حسنات الخلوات مُنجيات).

كان أهالينا في الأرياف في الزمن الماضي عند دخولهم منزلًا غيرَ منزلهم، (وكانت غالبيةُ المنازل مفتوحةَ الأبواب) يقولون: يا رب يا ساتر، ويتلكأون في الدخول، حتى يُصلِحَ أهلُ البيت مِن شأنِهم وخاصةً السيدات والفتيات، ويكون الرد: (اتفضل)، لكنه لا يدخل مباشرةً إلى المنزل؛ إمعانًا في الستر، فكلمة (اتفضل) تُقال بتلقائية قبل إصلاح الشأن، وهناك مَن يتنحنح مع قوله (يا رب يا ساتر)، حتى صار للنحنحة بصمة، فهذه نحنحة فلان، وتلك لفلان!! أما حين نقول (يا ساتر يا رب) بلهفة، فذاك لحدوث مكروه فنطلب من الله فورًا مع نزوله أن يَستر فلا يصيبنا بأذى وأن يلطف في قضائه فلا يُحملنا ما لا نطيق.

تسأل المصري عن حاله، فيرد: (الحمد لله، رضا، ماشية بستر الله)!! إذ لم يجعل حاجتَه إلى لئيم فستره سبحانه ومَنَّ عليه مِن فضله برزقٍ سترَ العجزَ وقلةَ الحيلة في مواجهة مصاعب الحياة. وأهل الميت يتحدثون عن ستر الله له حتى باب القبر، فيكون ذلك علامةَ قَبُولٍ بإذن الله.

أما (تستير) البنات بالزواج فهو ما لا أوافق عليه، فلماذا يرى الموروث الشعبي أن زواج البنات (سُترة)؟! فالبنت مستورة إن رُزِقَتْ بزوجٍ أو لم تُرْزَق، بل على العكس إن كان حظُّها عَثِرًا وكان قَدَرُها في الزواج سيئًا تصبح السُّترةُ في أن تظلَّ مُعززةً مُكرمةً في بيت أبيها وأمها، ويصبح كشف المستور في الزواج من شخصٍ لا يُراعي اللهَ فيها!! غير أني لم أعتد غيرَ حُسن الظن بالمبدع الشعبي متعدد التجارب، فربما جاء هذا اللفظ (تستير البنات) من الإفراط الشديد في صيانة المرأة فيُقال عن الزوجة مثلًا (حرمنا المصون) فالرجل لا يتحمل أن تُذكَرَ بسوء حتى إن كان ذلك من شخص معروف عنه سوءُ الخُلُق!!

أما بلدُنا مصر فهي مستورةٌ ومحفوظةٌ ومحروسة، لا أدري بأي سِرٍّ أودعه اللهُ فيها؟! لكنَّ السِّرَّ الأعظمَ يكمُن في اختيارِ اللهِ لها لتكونَ البقعةَ الوحيدة على وجه البسيطة التي شرفها سبحانه بالتجلي عليها. فاللهم سترًا لا ينكشف في الدنيا والآخرة.

زر الذهاب إلى الأعلى