مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: ما لا تعرفه عن الچنرال الذهبي وحُلمه الذي لم يتحقق!!

0:00

الفريق أول “عبد المنعم رياض” الذي شغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة بين عامي (1967م و 1969م) واحدٌ من الشخصيات التي يعتز بها المصريون كثيرًا، وخصوصًا أهل محافظة الغربية التي ولد بها (قرية سبرباي من ضواحي طنطا) في (22 أكتوبر عام 1919م)، كان والدي _ رحمه الله _ الذي خدم بالقوات المسلحة بين عامي (1966م و 1974م) يذكره بإعزاز وتقدير فبينهما في العمر عشرون عامًا بالتمام والكمال، وكونه من محافظة الغربية يجعل أهلَ المحافظة جميعًا يفتخرون به، كعادتنا في الافتخار بأصحاب المناصب والأفذاذ في مجالاتهم خاصةً إذا كانوا من ذوي السمعة الطيبة والسيرة الحسنة.

لعلك لا تعرف _ عزيزي القارئ _ أن “عبد المنعم رياض” حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1936م بمجموع كبير أهَّله لدخول كلية الطب، وقد التحق بها فعلًا تحت ضغط الأسرة، رغم أن والده كان ضابطًا هو القائمقام (عقيد) “محمد رياض عبد الله”، ورغم تفوقه في الطب إلا أن أباه كان مَثَلَه الأعلى فترك الطبَّ بعد عامين والتحق بالكلية الحربية!!

ولعلك لا تعرف أن “عبد المنعم رياض” كان يُجيد عدةَ لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية، وقد انتسب وهو برتبة فريق إلى كلية التجارة!! اشترك في الحرب العالمية الثانية مع سرايا المدفعية المصرية التي كُلفت بالدفاع الجوي ضد الطائرات الإيطالية والألمانية في الإسكندرية والسلوم والصحراء الغربية خلال عامي (1941م و 1942م). وعُرف عنه شدةُ الاعتزاز بنفسه، وعدمُ قبوله الإهانةَ من أحد مهما علا مركزُه، كما كان شديدَ التواضع، يألف الناسَ بسرعة مهما قلَّتْ مراتبُهم الوظيفية. وعمِل خلال عامي (1947م و 1948م) في إدارة العمليات والخطط في القاهرة، وكان همزةَ الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان في فلسطين، وقد أظهر مقدرةً عسكرية جيدة، فمُنح وسامَ الجدارة الذهبي في فبراير 1949م.

كان صاحبَ رأي في القيادة التي يصفها قائلًا: ” لا أُصدق أن القادةَ يُولدون، إن الذي يُولد قائدًا هو فلتة من الفلتات التي لا يُقاس عليها؛ كـ (خالد بن الوليد) مثلًا، ولكن العسكريين يُصنعون، يَصنعُهم العِلمُ والتجرِبةُ، والفُرصةُ والثقة”.

أما لقبُ الچنرال الذهبي فقد لُقب به في الاتحاد السوڤيتي السابق بعدما أُوفد إلى هناك في (9 أبريل 1958م) لإتمام دورة تكتيكية تعبوية في الأكاديمية العسكرية العليا في فرونز، أتمها في (31 يناير 1959م)، وحصل على تقدير الامتياز، وهناك لُقِّب بالچنرال الذهبي. رُقي إلى رتبة الفريق في (21 أبريل 1966م)، وحين وقَع عدوانُ الخامس من يونيو عُين رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة في (11 يونيو 1967م) حيث بدأ إعادةَ تنظيم القوات المسلحة المصرية. وكان قد أُسند له منصب رئيس أركان القيادة العربية الموحدة في (10 مارس 1964م) وقد حذر من أن إسرائيلَ تعتمد على عملية دفاع جوي جيدة، وأنها تحت ستار المظلة الجوية، تحتفظ بجيش بري قليلِ العدد نسبيًّا، مع نظام جيد لاستدعاء الاحتياطي تستطيع معه أن تحشد عددًا مناسبًا يعمل في حماية المظلة الجوية الممتازة. وبين عامي (1964م و 1967م) حذر من سوء الموقف العسكري من الناحية الجوية في بعض دول المواجهة الشرقية مع إسرائيل.

كان “عبد المنعم رياض” يرى أن المجتمعَ الإسرائيليَّ به تناقضاتٌ تمتد إلى جميع القطاعات بما في ذلك القواتُ المسلحة، وأن أهمَّ عناصرِ القوةِ العربية هو النِّفط مع موقعٍ إستراتيجي ممتاز وطاقةٍ بشرية أضعاف أضعاف الطاقة الإسرائيلية، أما نقطة الضعف العربية فهي أزمةُ الثقة، وكان يتطلع إلى يومٍ يتحقق فيه تحالفٌ عسكري عربي، قائلًا: ” إن التحالف العسكري هو أرقى مظاهر التحالف السياسي؛ بحيث لا يمكن إقامتُه إلا إذا تقاربتْ أولًا الاتجاهاتُ السياسية “.

وفي محاضرةٍ ألقاها قبل شهرين من عدوان (يونيو 1967م) حذر قائلًا: “لن تكتفي إسرائيلُ برقعتها الحالية، إن الخطوةَ التاليةَ عندها هي الاستيلاءُ على الضفة الغربية للأردن، وعلى جنوب لبنان، ولها تطلعاتٌ في الإقليمَين السوري والمصري، وقد تسعى إسرائيلُ إلى التفوقِ النووي؛ حتى تتغلبَ على وَحدة العرب، وتُعوضَ عن طريق الرعب النووي، التفوقَ العربيَّ الاقتصادي البشري”.

في الساعة الثالثة والنصف بعد ظهر يوم (9 مارس 1969م) استُشهد الفريق “عبد المنعم رياض” وهو يزور جبهةَ القتال إذ انهالت نيرانُ هاونات ومدفعية ودبابات القوات الإسرائيلية على المنطقة التي كان يقف عندها، وتولت القواتُ المصرية على الفور الردَّ على نيرانها وشارك “عبد المنعم رياض” في المعركة إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية، بعد اصطدامها ببعض الأشجار المحيطة بالحفرة التي ربض بها “عبد المنعم رياض” وأدى هذا الانفجارُ إلى استشهاده. وبينما كانت المدافعُ المصرية تُوقع بالقوات الإسرائيلية دمارًا لم يسبق له مثيل، كانت عربة چيب صغيرة تحمل جثمانَ “عبد المنعم رياض” إلى مستشفى الإسماعيلية.

تلقى الرئيس “جمال عبد الناصر” النبأ أثناء رئاسته لاجتماع مجلس الوزراء فغادر الاجتماعَ متجهًا إلى وزارة الحربية وأصدرَ بيانًا نعى فيه “عبد المنعم رياض” الذي مُنِحَ بعد استشهاده أكبرَ وسامٍ عسكري، وهو نَجمة الشرف العسكرية، ورُقي إلى رتبة (فريق أول)، واعتُبر يوم (9 مارس) من كل عام هو يوم الشهيد؛ تخليدًا لذكراه.

وأقول: العدو كتابٌ مفتوح لكننا لا نقرأ !!

زر الذهاب إلى الأعلى