مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: ” قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا “

بقلم . حازم البهواشي

عنوان المقال هو الآية التاسعة في سورة الشمس، وهي سورة مكية تحمل رقم (91) في المصحف الشريف.
تتحدث الآية عن النفس البشرية، والمعنى: (قَدْ فَازَ مَنْ طَهَّرَ نَفْسَهُ وَنَمَّاهَا بِالْخَيْر)، فيُذكِّرنا ربُّ العالمين ألا ننسى أنفسَنا فِي زِحَامِ الحَيَاة، لا تَنْسَ أيها الإنسان لِمَاذَا خُلِقْتَ، وتَفَقَّدْ نَفْسَكَ بِتَوْبَةٍ أوْ صَدَقَةٍ أو اسْتِغْفَارٍ أو عَمَلٍ صَالِح.
نحن نبذل الكثيرَ للعناية بالجسد _ وليس هذا عيبًا _ لكنّ مآلَ الجسد إلى التراب كما نعلم، فلماذا لا نعتني بأنفسنا أيضًا كما نحب أن نعتنيَ ببيوتنا وأثاثِ منازلنا؟!
كان عمرُ _ رضي الله عنه _ يقول: (تعهدْ قلبَك)، وهذا من أهم مبادئ تزكية النفس؛ فالقلوبُ التي لا تعرف الحقدَ والحسد والبُغض والشك لا تكون إلا في نفسٍ زكية، وكما أن المرء ربما يخجل من بيته إذا كان قديمًا أو غيرَ منظم، أو يحوي أثاثًا غيرَ ذي جودة، ينبغي عليه أن يخجلَ من نفسه إذا كانت تحمل قلبًا غير ذي جودة، لا يتعهده صاحبه بالصيانة ليظل محتفظًا بقيمته!!

في بيتك القديم بأثاثه المهلهل إذا أتاك ضيفٌ فجأة تصبح في خجلٍ من أمرك، وكأنك تريد أن تقول: (يا أرض انشقي وابلعيني)! ويظهر على وجهك الارتباك، وقلةُ الحيلة، كذلك إذا جاءك زائرُ الموت وهو يأتي فجأة _ كما نعلم جميعًا _، وعندئذٍ تظهر عوراتُ النفوس التي لم يُزكِّها أصحابُها وتركوها بلا عناية، وأنت حينئذٍ لستَ قليلَ الحيلة بل عديمَ الحيلة!!

نفسُك هذه هي التي تحب وتكره، تغضبُ وترضى، تَسعَدُ وتتعذب، تتوقُ إلى الخلود وتُقَصِّر، وكما أنك إذا شعرتَ بخللٍ في جسدك تتعهده بالعناية الطبية، ينبغي عليك أن تفعلَ ذلك مع نفسك؛ فأمراضُ النفس أخطرُ بكثير، ذلك أن أمراضَ الجسد تنتهي بالموت، لكن أمراضَ النفس تظهر نتائجُها بعد الموت، فطهرْ قلبَك ولسانك وفعلك.
النفوس خُلقت على الفطرة، تحب الخير، لذلك فهي تتعذب إن حادت عن الخير، تحب من يُحسن إليها، وتتعذب إن أساءت إليه!! الفطرةُ السليمة كالصفحة البيضاء، فاحرصْ أن تكتبَ عليها كلامًا تفخر به ولا تخجل منه؛ فكلُّ نفسٍ بما كسَبتْ رهينة.

والسؤال:
_ متى أزكي نفسي؟!
الإجابة: في الدنيا؛ ذلك أن التأهيلَ هنا، والجزاءَ هناك في الآخرة
_ لماذا أزكي نفسي؟!
الإجابة: لكي تصبحَ مؤهَلةً لأن تكونَ في كنف الله فتسعد في جنةٍ فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمِعت ولا خطرَ على قلب بشر.
_ كيف أزكي نفسي؟
الإجابة: بإجابة داعي الله لتضعَ نفسَك في المكان الذي يليق بها.

وسل نفسك: أيهما في حاجة إلى عنايةٍ أكثر، الجسدُ الفاني أم النفسُ الخالدة؟!

زر الذهاب إلى الأعلى