مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: في ذكرى عزيز مصر

0:00

أما عزيزُ مصرَ الذي نعرفه جميعًا، ويحضر إلى الذهن فورًا فهو سيدنا “يوسف” _ عليه السلام _، وقصته في مصرَ مشهورة، وهي قصةُ نجاحٍ في الدنيا والآخرة، محورها أن نثقَ في تدبير الله وأن نصبرَ ولا نيأس، لقد اتقى “يوسف” _ عليه السلام _ اللهَ فنجح، وبعد أن كان عبدًا في مصر صار عزيزَها ووفقه اللهُ في إدارةِ شؤون هذا البلد _ المحفوظ برعاية الله _ في سنواتٍ عجافٍ مرت به.

وأما عزيزُ مصرَ الذي أقصده في مقالي فهو وزيرُ التموين الأقرب إلى قلوب الناس الدكتور “أحمد جويلي” (23 مارس 1937م _ 18 أغسطس 2014م) الذي تمر على وفاته في هذه الأيام نحوُ عشر سنوات، ولما كنتُ حريصًا على حضور صالون الأوبرا الثقافي في فترة دراستي الجامعية، وما بعدها بقليل، في عهد شُعلة النشاط، مسؤول الصالون المتميز مدير المسرح الصغير بالأوبرا الأستاذ/ “محمد سالم” _ رحمه الله _ وبعد فترةٍ ليست بعيدةً من خروجه من الحكومة التي دخلها مُحافظًا لدِمياط والإسماعيلية بين عامي (1984م و 1994م)، ثم وزيرًا للتموين والتجارة الداخلية فالتجارة والتموين من عام (1994م) وحتى عام (1999م)، كان الدكتور “أحمد جويلي” ضيفًا على الصالون، وبعد دخوله وجلوسه، وقبل بَدْءِ فعاليات الصالون، وقفتْ إحدى السيدات مُرددةً بصوتٍ عالٍ يسمعه كل من بالمسرح: (انت فين يا عزيز مصر، انت فين يا عزيز مصر، من يوم ما مشيت وسِبتنا وكل حاجة رجعت لِوَرَا، كل حاجة بقت وحشة وساءت، إن شاء الله ترجع لنا تاني وتكون رئيس وزرا )!!!

نظرتُ للدكتور “جويلي”، فوجدتُ ملامحَه تتحدث وكأنها تقول للسيدة: (أرجوكِ اصمُتِ)!!! وقتها علمتُ أن الدكتور “جويلي” لن يعودَ مرةً أخرى إلى الحكومة في أي منصب؛ فالرجل الذي يُحبه الناس بهذه الطريقة لا بد أن يخرج ولا يعود!!!

وحينها تذكرتُ أحدَ أساتذتي في الجامعة الذي قال لي يومًا: (إنه يعرف بعض المحيطين بالدكتور “جويلي” _ وقت كان في الوزارة _ ومن المعلوم _ وقتها _ أنه مع بداية السنة الميلادية الجديدة يتأهب رجالُ الأعمال ومريدو السلطةِ والسلطان لتقديم الهدايا للمسؤولين، قال أستاذي: إن الدكتور “جويلي” كانت تأتيه هدايا بطبيعة الحال، يأخذها مكتبه ثم يجمعها الدكتور “جويلي” ويَرُدها لأصحابها كاملةً غيرَ منقوصة بعد رأس السنة بيومين أو ثلاثة!!

رحل “جويلي” تاركًا خلفه سُمعةً طيبة، تجعل الناسَ يترحّمون عليه، وهكذا أصحابُ الأيدي النظيفة الذين يعملون لمصلحةِ هذا البلد وشعبِه فقط، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. رحم اللهُ عزيزَ مصر “أحمد جويلي”.

زر الذهاب إلى الأعلى