مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: فلسطين بخير!!

0:00

في العائلات يَصطفي اللهُ فردًا يَتحمَّلُ المسؤولية، وربما يَدْفَعُ ثمنًا لا يدفعُه غيرُه لكي تقومَ قائمةُ العائلة ويَعلُوَ ذكرُها أو يَستمرَّ كِيانُها، وكذلك بين الأمم يَصطفي اللهُ مجموعةً من البشر تجودُ بدمِها من أجل الأمة، وقد اصطفى _ سبحانه وتعالى _ أهلَ أرضٍ تحوي عشراتِ الشهداء من صحابة رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _، أرضٍ شرِبَتْ طُوفانًا مِن دماءِ الصحابة لأجل استعادتِها، أرضٍ تجودُ بدماءِ أبنائها لأجل القدس، لأجل المسجد الأقصى، لأجل كنيسةِ القيامة، لأجل العُهدة العُمَرِيَّة _ على حدِّ قول قاضي قضاة فلسطين الدكتور/ (محمود الهَبَّاش) _ هذه العُهدة التي رسَّختْ حُريةَ العقيدة عندما فتح المسلمون القدسَ في العامِ السادس عشر من الهجرة، وقد اعتُبِرت العُهدة العُمَرية واحدةً من أهم الوثائق في تاريخ القدس وفلسطين؛ إذ أمَّنَ الخليفةُ (عمرُ بن الخطاب) أهلَ إيلياء (القدس) على كنائسهم وممتلكاتهم، واشترط ألا يسكنَ أحدٌ من اليهود معهم في المدينة: (أنه لا تُسْكَنُ كنائسُهم ولا تُهْدَم، ولا يُنْقَصُ منها ولا مِن حيِّزِها ولا مِن صليبِهم ولا مِن شيءٍ من أموالِهم، ولا يُكرَهُون على دينِهم، ولا يُضارُّ أحدٌ منهم، ولا يَسْكُنُ بإيلياءَ معهم أحدٌ من اليهود).

وإذا كان (إسماعيل هنية) _ المولود عام 1963م والذي استُشْهِد فجر الأربعاء 31 يوليو 2024م _ معروفًا لدينا، فإن هناك خلقًا كثيرين قَضَوا ونحن لا نعرفهم، قَضَوا لتظلَّ الأرضُ بخير رغم كل الألم الذي تعيشه ورغم طوفان الدم، نعم تظل بخير فليس أغلى من الدمِ ثمنًا يُدْفَعُ للحُرية، وليس مثلُ الدمِ لعنةً تُصِيبُ من يَسفكه بدون وجهِ حق.

بعد معركة نهاوند (21 هـ على الأرجح) التي أسماها المسلمون فتحَ الفتوح وهي المعركةُ الفاصلة في فتح بلاد فارس، سَألَ (عُمَرُ بنُ الخَطَّاب): مَن الذي قُتِلَ في (نهاوند)؟ قالَ القائِدُ: مَاتَ خَلْقٌ كثيرٌ لا تعرفُهم، فبَكَى (عُمَرُ) بُكاءً شَديدًا، ثُمَّ قالَ: ومَا ضرَّهُمْ أنِّي لا أَعرِفُهُم إذا كانَ اللهُ يَعْرِفُهُم؟!

إن فلسطينَ تُمثل جوهرَ وجودِ هذه الأمة، وسماحة مفتي القدس الشيخ (محمد حسين) يتمنى أن يدعوَ المسلمين للصلاةِ بأمنٍ وطمأنينة في المسجد الأقصى كما صلّى رسولُ الله _ صلى الله عليه وسلم _ بالأنبياء، وقد قال في مؤتمر دار الإفتاء التاسع: إن الفلسطينيين القابضين على الجمر، يحرسون المسجدَ الأقصى وأرضَ الآباء والأجداد، والرسالات، والإسراء والمعراج، وهي الأرضُ التي تنطلق منها آهاتُ الشعب الذي عانى _ وما زال يعاني _ من القتل والتشريد والتدمير.

لن يُصيبنا اليأس، وستظل فلسطينُ بخير، لأننا نثق في وعد الله، أخبِرُوني من يستطيعُ أن يُغيِّر هذا الكتاب: ” كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ ” (المجادلة _ 21)؟!

زر الذهاب إلى الأعلى