مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: فكّة خمسة جنيه!!

0:00

بدايةً أعتذر عن الخطأ اللغوي في العنوان؛ إذ كتبتُه بلغتنا الدارجة، والصحيح بالطبع (خمسة جنيهات)، ولو كان والدي حيًّا لقال لي: (عيب)!! أما حكاية العنوان فتتلخص في أن والدي _ رحمه الله _ اعتاد حين كان يأتيه شابٌّ في مراحل الدراسة حتى الثانوية سائلًا عن فكة (خمسة جنيه) _ وكانت تُفك فيما مضى _ اعتاد أن يقول له: ليس معي إلا “أرباع” (جمع رُبع)، فكم أعطيك منها؟! فيحتار الشاب، ويتردد، قائلًا أي رقم 17 _ 18… إلخ!! فيقول له والدي: عشرون رُبعًا!!

كنتُ أتعجب وأتساءل: لماذا هذا، إما أن تفك له وإما لا؟! لكن والدي يُصر على أن يُعَلِّمَ ويُوَجِّهَ حتى يستفيدَ الصغار، (خلليه يشَغَّل مُخّه ويصحصح) يقول أبي، أما أنا فكنتُ أرى أن هذا تدخلٌ فيما لا شأن له به!! وتدور الأيام ونرى بائعًا نصَّابًا أمام محطة قطار طنطا، تشتري منه، فيعطيك الباقي فكَّة مُتعمِّدًا، وتكتشف أنه (خَمَّك)!!
يأتيه الصغير فيسأل عن (الكُتَب) ينطقها بفتح التاء، فيصحح له، قل: (كُتُب) بضم التاء!! يرى الصغيرَ لا يُحْسِنُ الكلامَ مع الكبير فيوجهه ليُحسِّنَ ويُعَدِّلَ أسلوبَه: قل حضرتك وليس أنت!! قل: بعد إذنك، وليس (عاوز) مباشرة، قل: (شكرًا) بعد انتهاء الخدمة، ولا تنصرف دون شكر من أسدى إليك معروفًا!! إذا فتحَ البابَ ووجدَ الصغيرَ في مواجهةِ الباب مباشرةً يكشفُ البيتَ من الداخل، يقول له: تعوَّدْ أن تطرُقَ البابَ أو تدُقَّ الجرس وتقفَ على جانبٍ من الأجناب، لا في مواجهة الباب!!

يكون الإمامُ والخطيبُ حديثُ التخرج يخطب أمامه، أو يُعطي درسًا، _ وكان أبي قد ضعف بصره لدرجة شديدة _، فيقول لمرافقه (يسري صقر) وهو ابن خاله:
_ يا يسري،
_ نعم يا عم الحاج،
_ هات لي الإمام بعد ما يخلص،
_ حاضر يا عم الحاج،
_ يا يسري،
_ نعم يا عم الحاج،
_ فيه حد جنبنا؟
_ لأ يا عم الحاج
فيبدأ في توجيه الإمام ليُعَرِّفَهُ صحيحَ ما أخطأ فيه!!

ذهبَ يومًا لزيارة فتاة من قريتنا بصحبة أبيها، وكانت قد تزوجتْ في مصر (القاهرة)، رحَّبت الفتاةُ بهما، وأحبَّتْ أن تُكرمَهما فقدَّمتْ لهما مع الأرز واللحم والخضار، الجبن الرومي والبراميلي واللانشون وخلافه، (كوكتيل فطار وغدا)!! هي تريد أن تقول بالفعل: إن بيتَها فيه الكثير من الخيرات، (دا احنا حتى عندنا جبنة رومي وهي التي لم تعرفها بيوت القرية في ذلك الزمان، ويا ليتها ما عرفتها)!! وإنها لن تُقصر في كرم الضيافة!! لكن أبي يُوجه، ويقول لها: (يا ابنتي، حافظي على ما في بيت الزوجية من نعمة، حافظي على مال زوجك، شيلي الحاجات دي حطيها في التلاجة)!! ويظل السؤال الذي يدور في ذهني وقتئذٍ: لماذا يا أبي، لا تتدخل، هذا ليس من شأنك، كل واحد حُرّ؟! لكنه يرى أن التعليمَ والتوجيهَ شأنُه!!

يقول لشيخ المعهد: لا تأكل وأنت تمشي في الشارع أو تركب في المواصلات العامة، فأتعجب، لماذا يا أبي، ربما كان جائعًا؟! فيقول: لا بد أن يحتفظ بهيبته ومكانته، وليست المسافةُ بينه وبين منزله ببعيدة!!

ذكَّرني بكل هذه الأمور، ما أراه من عدمِ لياقةٍ بين الصغار والشباب حاليا في كل الأمور، يُحْضِرُ الصبيُّ إليك ما طلبتَه من (السوبرماركت) أو (الفرارجي) مثلًا، فتراه يقف أمام باب شقتك بلا حياء، ليس عن سوء أدب، لكنه الجهل وعدم التعلم أو التوجيه، والنتيجة واحدة، انحدارٌ في السلوك!! يُحادثك جارُك الصغير بقلة ذوق ودون مراعاةٍ للسِّن ليس عن سوء أدب، لكنه الجهل وعدم التعلم أو التوجيه، والنتيجة واحدة، انحدارٌ في السلوك!!

والآن أقابل من ربما أحرجه كلامُ أبي وقتَها ليُخبرني أنه لا ينسى هذه الكلمة مذ لفتَ أبي نظرَه إليها، ولم يَعُدْ لهذا الفعل إذ وجَّهَهُ لتركه!! وبعد مرور السنوات نكتشف أننا بحاجة إلى مزيدٍ من التربية والتعليم والتوجيه؛ فالانحدار سريع، وتلك مقتطفاتٌ من أحداثٍ حدثتْ بالفعل، ولدينا مزيد. فرحمة الله على كل من يرى أنه صاحبُ رسالة وإن لم يفهمه الناسُ حينَها.

زر الذهاب إلى الأعلى