مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: علي الزيبق

0:00

لعل أبناءَ جيلي لا يزالون يتذكرون مسلسل (علي الزيبق) للنجم “فاروق الفيشاوي” (1952م _ 2019م)، والذي عُرض عام 1985م، سيناريو وحوار “يسري الجندي” وإخراج “إبراهيم الشقنقيري”. ورغم بساطة الإمكانيات التي كانت تُصنع بها الحِيل إلا أننا كنا ننتظره كأطفال لنرى ونستمتعَ بجديد ملاعيب (علي الزيبق) التي كان يهدف من ورائها إلى الحصول على حقوق المهمشين.

كان المسلسلُ جاذبًا منذ كلمات المقدمة لـ “عبد الرحمن الأبنودي” (1938م _ 2015م)، مع الموسيقى التصويرية لـ “إبراهيم رجب”، إذ تجذبك الكلمات بجرسها، والأبنودي يتنقل بين قصر السلطان عالي البنيان، وقصر الوالي الذي هو كما قال: (طبعًا عالي / مَليان حتى لو الكون خالي / واِن شِبعتْ بطنُه اليَدّ تعُوز / واِن عازِتْ يَدُّه السرقة تجوز) أما بيوت الناس (لا حيطان ولا ساس / ولا ليها لون / ولا ليها مقاس / وحيطانها طين / أصواتها أنين / وغُناها حزين )!!
يَتطلعُ الناسُ وسط هذه الحال إلى واحدٍ منهم، يُولد بينهم ويتبنى قضاياهم، لا يعرفون من أين أو متى سيظهر: ( وف وِسْطِ الضَّلمة تهِلّ اِنتَ / ولا نِعرف مِن فين أو إمتى / تِرْفَعْ بُنيان الغلبان / وتطاطي بُنيان الوالي / وترقَّص قصر السلطان )!!

أما سيرة (علي الزيبق) فإنه يمكنك مطالعتُها بتحقيق الراحل “محمد رجب النجار” ( ١٢ / ٨ / ١٩٤١م _ ١٢ / ٢ / ٢٠٠٥م ) لتعلمَ عنها الكثير بدايةً من أن أحداثَها تشير بما لا يدع مجالًا للشك إلى أواخرِ العصر المملوكي وبدايةِ حكم العثمانيين، إلا أن المبدع الشعبي الفَطِن آثرَ أن تَجْرِيَ الأحداثُ تاريخيًّا في عصرَين من عصور البطولة: العصر الذهبي لبغداد عصر “هارون الرشيد” الذي حكمَ بين عامي 170 و 193 هـ، وكان عمره حين بدأ حكمه نحو 21 عامًا، وعصر “أحمد بن طولون” في مصر الذي حكم بين عامي 254 و 270 هـ وكان عمره حين بدأ حكمه نحو 34 عامًا، ويرى المؤرخون فيه واحدًا من عصور التاريخ الذهبية لمصر.

خلال ملاعيبِه التي يُتابعها الناسُ بقلق ثم يشعرون بارتياح عند نجاحها ويزدادون تعاطفًا مع بطلِها، يكتشف (علي الزيبق المصري) أو (أشطر الشُّطار) أن أمنَ مصرَ مرتبطٌ بأمن بغداد، مرتبطٌ بأمن الشام. وحين نجح (علي الزيبق) في القضاء على مظاهر الفساد في مصر والشام وبغداد، وقعَ فريسةَ المرض الذي عجز عنه الأطباء، فكانت وفاتُه، وحزِنتْ عليه الرعيةُ حُزنًا شديدًا، حيث رفرفتْ معه ألويةُ العدل الاجتماعي والحرية السياسية، ورَثاهُ الخليفةُ رِثاءً حارًّا يَلِيقُ بمَقامِه.

وتَذْكُرُ السيرة التي نؤكدُ أنَّ زمنَ كتابتِها غيرُ زمن أحداثها أن “الرشيد” شَعَرَ أنَّ مَنِيَّتَه قد دنت بعد وفاة (الزيبق) فجمعَ أولادَه بين يديه، وأمرهم بما يجبُ عليهم اتِّباعُه تجاه الخالق والمخلوق، فأوصاهم بطاعة الخالق وحِفظ شرائعِه، وعِفة النفس، والحُكم بالعدل والإنصاف، والمساواة بين الغني والفقير، والسهر على حماية البلاد وراحة العباد، وعدم قطع الأرزاق على مخلوق، لأن (قطع الأرزاق مثل قطع الأعناق). البطل الخيالي _ المفترض من الناحية التاريخية _ أبدعته القريحةُ الشعبية كواحدٍ من الشطار الذين قيل عنهم إنهم لصوصٌ شرفاء يتسمون بالشهامة والنخوة والمروءة، أقول: أبدعته القريحةُ الشعبية حين وجدتْ أن القانونَ لن يُعطيَها حقَّها!!

زر الذهاب إلى الأعلى