مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: رِجَالُ أعمال لا أقوال!!

0:00

في خُطبةِ جُمُعة سمعتُها لأبي رحمه الله، وهو الأزهري الذي تخرج في كلية الشريعة والقانون عام 1965م _ وكانت خُطَبُهُ قليلةً فُجائية لعدم حضور الخطيب _ تحدث عن العطاء ودور الأغنياء في المجتمع، وبما أننا من محافظة الغربية، فقد ذكر للمُصلين شخصيةً يعرفونها ويترددُ اسمُها على ألسنةِ الجميعِ لدينا، ونحن نقول: عزبة المنشاوي، مستشفى المنشاوي، مسجد المنشاوي، ومعهد المنشاوي!! ما جعلني وقتَها في شوقٍ إلى معرفة تاريخ هذا الرجل الذي قام بكل هذه الأعمال!! ولعلَّ أهلَنا بقرية القُرَشِيَّة مركز السنطة، يعرفون حديقةَ المنشاوي باشا التي اشتُهرتْ بأشجار المانجو التي تم جلبُها من أنحاء العالم، وكان يأتي ذِكْرُها في الكلمات المتقاطعة بالصحف والمجلات!!

(أحمد المنشاوي باشا) من أعيان الغربية، واحدٌ من أغنياء مصر المعدودين الذين اشتُهروا بكثرة الإنفاق في أعمال الخير. وُلد في فترة حكم (محمد علي)، قيل عامَ 1834م وقيل عام 1840م، وتوفي في 20 ديسمبر عام 1904م.

امتلك (المنشاوي) نحوَ عشرة آلاف فدان، اشترَى منها في عامَي 1898م و 1900م نحوَ أربعة آلاف فدان، جعلَها كلَّها وَقْفًا عام 1903م !! ولما وَجَدَ الأهالي يُعالَجون من الكوليرا وغيرِها من الأوبئة في العَراء والخِيام، أنشأ مستشفى للحُميات وأهداه للحكومة، كما قام أيضًا بإنشاء مستشفى المنشاوي العام بطنطا، الذي كان المستشفى التعليميَّ الوحيد لجامعة طنطا عند إنشائها، ولا يزال يخدم الأهالي حتى اليوم.

قام (المنشاوي) أيضًا ببناء العديد من المدارس المتنوعة والمعاهد الدينية، بالإضافة إلى مساجدَ عديدة، منها مسجده بطنطا، ومدارس لتحفيظ القرآن، وملاجئ للأيتام والأرامل.

ولما زار الإسكندرية أمر بأن تكون كِسوةُ تلاميذ المكاتب على نفقته، ووعدَ بأنه سيُوقِفُ أطيانًا يُخَصَّصُ ريعُها لتجهيز بناتِ الفقراء المتعلمات في هذه المدارس عند زواجهن، كما أمر بصرف راتب شهر لمعلمي هذه المدارس.

اهتم (المنشاوي) باشا بإنشاء التكايا والوقفِ عليها، ومنها تكيته بمدينة طنطا، التي أنشأها لتكونَ منازلَ ومساكنَ للعواجز واليتامى _ كما ورد في نص حُجة الوقف _ وللسيارة والمارة، وأبناء السبيل من المسلمين، سيما الذين يحضرون إلى مدينة طنطا من بلاد الترك والمغرب وغيرِها وهم في طريقهم لأداء فريضة الحج.

لم يغِبِ الحِسُّ الوطني لدى (المنشاوي)، فتراه ينص في وقفيته المحررة في عام 1903 على أن الموقوفَ عليهم لا يستحقون الوقفَ إذا تزوجتْ إحدى بناتِهم بأحدٍ من أهل الحِمايات الأجنبية خلافَ الدولة العَلِيَّة (العثمانية).

لقد كتبَ شاعرُ النيل (حافظ إبراهيم) حين حُرقت ميت غمر عام 1902م كتبَ يُناشد شخصًا مسجونًا التبرعَ لضحايا الحريق، ولم يكن هذا السجين سوى (المنشاوي باشا):
أيُّهذا السَّجِينُ لا يَمْنَعُ السِّجْـ / نُ كَرِيمًا مِن أنْ يُقِيل العِثارا
مُرْ بِأَلْفٍ لهُمْ وإنْ شِئْتَ زِدْهَا / وأَجِرْهُمْ كَمَا أَجَرْتَ النَّصَارى!!

ولعل مقالًا آخرَ يَحْمِلُ في طيَّاتِه، لماذا سُجِن؟! وما حكايةُ إجارتِه النصارى؟ وما مُلابسَاتُ تكريمِه في إيطاليا؟

ولعلك تُدْهَشُ إذا عَلِمْتَ أنَّ المنشاوي باشا رصدَ مبلغًا كبيرًا للقرض الحَسن، وأنشأ صُندوقًا ماليًّا ليَدفعَ منه أيَّ مُتأخراتٍ للمُستأجرين لأرضِه أو أولئك الذين تُصيبهم كوارثُ فُجائية، ووضعَ شرطًا إنسانيًّا أخلاقيًّا يَقضي بعدم مطالبة الشخص المُقترِض مُطلقًا بسدادِ دَيْنِه، وأن يُتركَ له حريةُ السداد حين ميسرة!! كان (المنشاوي) باشا رَجُلَ أعمال لا أقوال، فترحموا عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى